الهيكلة لحماية الشركات

سلامة الدرعاوي

قوانين وأنظمة العمل في المملكة تصب بالدرجة الأولى لصالح العمال بغض النظر عن أوضاع الشركات المالية وخسائرها، فعمليات التسريح أو إعادة الهيكلة شبه محرمة في القوانين المحلية، ومعقدة لدرجة أنها ممكن ان تضحي بالشركات من أجل العمال، وهي معادلة مجنونة غير موحدة سوى في الأردن.اضافة اعلان
فالعامل وان كان على خطأ لا يمكن بأي من الأعمال والشركات تسريحه لما قد يرتب عقوبات قانونية من جهة، وتداعيات اجتماعية في المجتمع من جهة أخرى، لذلك نسمع ونرى ان بعض التعويضات العمالية وصلت في بعض الشركات لـ 4-5 سنوات، علما ان الشركات في خسائر تجاوزت رأسمالها في بعض الأحيان.
في ظل "كورونا" ازداد الوضع صعوبة في هيكلة الأعمال مع وجود أوامر الدفاع التي تحظر أية أعمال هيكلة، والهدف من ذلك هو قرار سياسي اقتصادي بحت للحد من نمو معدلات البطالة التي قفزت إلى 23 بالمائة وهو أعلى معدل في تاريخ المملكة منذ ثلاثة عقود، ومن المؤكد انه سيقفز إلى أعلى من النسب السابقة كثيرا، فكيف الحال إذا ألغيت أوامر الدفاع؟ فمن المؤكد أن الكثير من الشركات والمؤسسات ستتوجه لتسريح العمال بسبب رئيسي وواضح وهو أن أنشطتها وأعمالها في تراجع كبير وحققت ميزانياتها خسائر فادحة، وقد يكون بعضها دخل في التصفية الإجبارية.
الحكومة في مأزق حقيقي لمواجهة هذا التحدي الخطير اجتماعيا واقتصاديا، وعليها التفكير خارج الصندوق واتخاذ قرارات جريئة بدلا من الهروب للأمام وترحيل المشكلة التي قد تولد انفجارا كبيرا فيما بعد، والحلول تنحصر أمامها في خانتين لا ثالث لهما:
الأول: تخصيص صندوق استثماري تساهم به الدولة ومختلف الجهات القادرة للدخول في شراكات استثمارية مع الشركات المتعثرة التي تأثرت بالجائحة، وتكون المشاركة الاستثمارية مبنية على أسس اقتصادية سليمة ودراسات جدوى حقيقية، وهذا يعد شكلا من أشكال التعويض لكنه بأسلوب اقتصادي رشيد.
الثاني: ترك الشركات تقوم بما تمليه عليها ظروفها الاقتصادية في عمليات التعيين أو إعادة الهيكلة بشكل ذاتي وفق أحكام القوانين دون اللجوء للاستقواء عليها بحجة مكافحة البطالة والأمن الاجتماعي، فالشركات اليوم أولى بالرعاية من العاملين فيها، لأن الشركات والمصانع إذا عملت حتى ولو بأقل طاقتها فهي في النهاية تحفظ كينونتها، وبالتالي قد تستعيد عافيتها بسرعة وتعود للتوظيف والتشغيل بقوة، اما إذا بقيت الأمور على هذا النحو، وزادت الأعباء على الشركات ولم تعد قادرة على هيكلة أعمالها فأن مصيرها في النهاية سيكون الإغلاق، وحينها ستكون تعديلات البطالة أكبر بكثير مما تتوقعه الحكومة، ناهيك عن الخسائر الفادحة التي ستتكبدها الخزينة بفقدانها شركات كانت تورد ضرائبها لها.
لا نملك ترف الوقت لتعزيز بيئة الأعمال في المملكة وإيجاد الحلول لمواجهة تداعيات كورونا، كُلّ ما في الأمر أننا بأمس الحاجة اليوم إلى قرارات جريئة بعيدة كُلّ البعد عن الشعبويات، ومن أراد الأخيرة فلا بد ان يكون قادرا على دفع التعويضات حسب الأصول.