الواقع المزيف بتوصيفات القتل

Untitled-1
Untitled-1

هآرتس

بقلم: عميره هاس

اضافة اعلان

كل قتل لاسرائيلي في الضفة الغربية – حتى قبل أن يتم العثور على المشبوهين – هو فرصة لرؤساء المستوطنات من اجل التحدث عن كونهم ضحايا، ولزرع المزيد من اجزاء صورة الواقع الكاذب في وعي اليهود في اسرائيل. صباح أول من أمس، رئيس مجلس شومرون يوسي دغان، قال إن قتلة استر هورغن من مستوطنة طل منشه، هم "برابرة السلطة الفلسطينية". الأذن الاسرائيلية معتادة على التعميمات، التي فيها عمل فظيع أو صفة سلبية لفرد يتم تعميمها على جمهور كامل – باستثناء أن لا يكون الامر يتعلق بيهود (لأنه حينها سيكون ذلك لاساميا). لهذا، في مقابلة مع "كان" كرر دغان دون ازعاج هذا التعميم. الامر المهم هو أن دغان لم يقل "البرابرة الفلسطينيين"، بل ركز على صورة السلطة الفلسطينية كوحش جماعي مطلوب من المستمعين أن يشمئزوا منه.
السلطة الفلسطينية هي كيان سياسي جغرافي غريب، هي رقعة من الحكم الذاتي المحدود داخل الخيمة الكبيرة والمتسعة من السيطرة الاسرائيلية والتطوير المتسارع لليهود فقط. والسلطة الفلسطينية (فعليا م.ت.ف، التي تم نزع كل صلاحية وقوة منها) يجب عليها ادارة النضال السياسي والدبلوماسي من اجل اعادة المناطق، ونظريا ايضا اقامة دولة. لذلك، رغم عجزها وتكيفها وضعفها، إلا أن المستوطنين يعتبرونها العدو السياسي الذي يجب العمل ضده. كل جهود اليمين وعلى رأسه المستوطنون، تتركز على الاضعاف المتواصل لهذه السلطة الممزقة، التي هي في نظر الجمهور الفلسطيني مقاول من الباطن للاحتلال الاسرائيلي.
دغان قال إن هورغن قتلت "في وسط دولة اسرائيل". ولكن الامر ليس كذلك. فقد قتلت في جيب برطعة الذي أوجده جدار الفصل غرب جنين الذي مساحته 18 ألف دونم. وهناك سبع قرى فلسطينية تم حبسها بين الجدار والخط الاخضر وفصلت عن القرى المجاورة وعن اراضيها. السكان الفلسطينيون في هذا الجيب يحتاجون الى تصاريح من اسرائيل من اجل العيش في بيوتهم، والحواجز التي مسموح لهم العبور منها نحو الشرق مغلقة في الليل. الدخول الى اسرائيل هو ايضا ممكن فقط بتصريح خاص. في الوقت الذي فيه اربع مستوطنات في المنطقة تتسع فان الادارة المدنية تقيد حق القرى الفلسطينية في البناء والتطور. مع استثناءات قليلة فانه يمنع على الفلسطينيين من باقي اجزاء الضفة الغربية الدخول الى هذا الجيب. هم غير مسموح لهم الاستجمام في غابتها الانتدابية والتمتع بالمناظر الجميلة. الجدار بني بذريعة امنية هدفها واضح، ضم منطقة واسعة الى اسرائيل، بالضبط لأنها تشكل مخزونا من الاراضي لتجمعات فلسطينية ولدولة في الاحلام.
أحد الابعاد المهمة في الواقع الزائف هو تخصيص صفات "وحشي، بربري، مقرف" فقط لقتل اليهود من قبل الفلسطينيين. هذه الصفات (والفعل قتل) – التي استخدمها دغان في المقابلة أول من أمس – يتم شطبها من كل قتل لفلسطيني غير مسلح على أيدي اسرائيلي – سواء كان جنديا عاديا، طيارا، رجل مدفعية، شرطيا أو مستوطنا. هكذا يتم تدجين الاسرائيليين – اليهود على التفكير بأن موت الفلسطيني ليس امرا فظيعا.
اذا كان قاتل هورغن فلسطينيا واذا تم القاء القبض عليه وهو على قيد الحياة فمن المرجح أنه وعائلته الموسعة سيعاقبون عقابا شديدا. فقد سبق واثبت أن القتل لا يمنع اسرائيل من سرقة المزيد من اراضي الفلسطينيين، وبناء على ذلك لا احد يمكنه الادعاء بأنه توجد "جدوى" سياسية للقتل. اذا كان القاتل فلسطينيا فهل توجد علاقة بين فعله وبين قسوة سياسة اسرائيل التي تطعنه وتجرحه يوميا منذ ولادته؟ اذا كان الامر كذلك فان هذه وحشية يتعرض لها ملايين الفلسطينيين ويشعرون بها على جلودهم من المهد الى اللحد، والتي تولد غضبا واشمئزازا لدى كل واحد منهم. ولكن قلائل جدا يطلقون غضبهم وكراهيتهم على امرأة تركض في غابة. الواقع بقي على حاله: المزيد من الاسرائيليين قتلوا ويقتلون المزيد من الفلسطينيين.