الوالة والهيدان.. فيض من الطبيعة والتاريخ

78787878
78787878

احمد الشوابكة

مادبا - "يا واردين الوالة.. اسقوا قعود هلالة.. والأوضح المتعدي يرجح بزين الخدً.. يرجح ولا يترد".. بهذه الأهازيج البسيطة، اعتاد سكان لواء ذيبان قديماً، على تحدي الملل والتعب بمشيهم مسافات طويلة إلى عيون المياه في منطقة الوالة "خربة اسكندر" ووادي الهيدان، حيث الخضرة والخير يملآن المكان.اضافة اعلان
كانت الوالة ووادي الهيدان مقصد الناس لغسل الصوف، ونقل المياه من العيون العذبة، لكنها غدت اليوم مزاراً لأهالي مادبا ولغيرهم من أبناء الحواضر الأردنية، ومعلما سياحيا شعبيا، يأتيها الناس كل جمعة لكسر حاجز الملل والروتين واللهو بالماء، وقطف الأعشاب "كالخبيزة"، و"اللفيتة" وصيد السمك، ما يضفي على الزيارة متعة حقيقية.
تبدأ رحلة الزوار من جسر الوالة، فمنهم من يقطع طريقه شرقا بحثا عن الهدوء والخصوصية، ومنهم من يتجه غربا نحو وادي الهيدان السحيق بطرقه الضيقة، والتي يغدو السير فيها مغامرة، جراء وعورتها، فالزائر هناك على موعد مع المجهول.
أغلب مناطق المياه هناك عميقة، وبعض الزوار يبحثون عن مناطق أكثر أماناً، لكن آخرين يذهبون لاصطياد السمك الذي يشبه بحجمه حجم سمك السردين ولا يهتمون لعمق المياه، أمام متعة الصيد.
من الصعب أن تذهب إلى جسر الوالة من دون أن تتوقف عند سده، الذي بات أمل المزارعين في تلك المنطقة لإحيائها بعد سنوات، نالت من خضرتها الرائعة، فقد زخرت هذه البقاع في السابق، بالحياة والعيون العذبة والينابيع، لكن الآبار الارتوازية، التي انتشرت في مزارع المنطقة، جففتها ولم تعد كسابق عهد سكانها بها، واستدراكاً لهذه الحال أنشئ سد الوالة والذي ساعد كثيراً في حل بعض من المشكلة وأخذت المنطقة تستعيد جزءا يسيرا من صحتها العليلة بعد جفاف عيونها.
كانت منطقة الوالة تسمى بـ"خربة اسكندر"، ففي العام 334 ق. م سيطر اليونانيون بقيادة الإسكندر المقدوني عليها، ثم جاء الأنباط العرب فحكموها في العام 170 ق. م، واستمروا ثلاثة قرون فيها.
أما ذيبان، فتحتل فصلاً مهماً من تاريخ المنطقة، وقد عرفت قديما باسم "ديبن" أو"ذيبون"، وهي تل يبعد نحو أربعة كيلومترات إلى الشمال من وادي الموجب، وترتفع حوالي 726 مترا فوق مستوى سطح البحر، وسميت "ذيبون" زمن المؤابيين، وكانت عاصمة مملكتهم، وآخر ملوكها "ميشع" الذي عاش في منتصف القرن التاسع ق. م، وسجل انتصاراته على حجر أثري "مسلة ميشع" وجد في ذيبان في أواخر القرن التاسع عشر وموجود الآن في متحف اللوفر.
تنهض ذيبان اليوم بين فاصلين طبيعيين هما وادي الوالة شمالاً ووادي الموجب جنوبا، إضافة إلى وقوفها على الحافة الغربية شديدة الانحدار باتجاه سيل الهيدان المؤدي إلى البحر الميت.
وهي ثرية بالمواقع الطبيعية والأثرية، تل ذيبان ومكاور ومقام النبي يحيى عليه السلام في "الدير" ومنطقة "عراعر"، حيث تنتشر الآثار، ووادي الموجب وحمامات قصيب وبرتا ومقام أبي ذر الغفاري في منطقة "الشقيق".