الوباء غير شكل السعادة العالمية

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 20/2/3/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ساو باولو، وسيول- لم تفعل جائحة "كوفيد - 19" أي خير لمزاج بارك ها يونغ، الطالبة الجامعية في جامعة سيول الوطنية. فقد أمضت الكثير من العام الماضي في القلق بشأن المرض وفرص تورطها في نشره. وتقول: "كنت خائفة من أن أصبح الشخص الذي يتسبب في تفشي المرض بشكل كبير". وقد قُيدت حريتها إلى حد كبير أيضاً. فالحكومة هي التي تحدد ما إذا كان يمكنها رؤية الأصدقاء أو حضور الدروس، وهو ما يجعلها محبطة وغير قادرة على إعداد أي خطط. وهي تشرع الآن في القلق بشأن العثور على وظيفة بعد تخرجها.
كثيرًا ما يتحدث السياسيون والمسؤولون عن تأثير "كوفيد - 19" على الصحة العامة والاقتصاد. لكنّ هذه تظل بالنسبة لمعظم الناس اعتبارات مجردة. إن ما يختبرونه كل يوم هو حالات مزاجية متقلبة -الشعور بالقلق والحزن، أو، إذا كانوا محظوظين، بالبهجة والتفاؤل. ولمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسعادة في 20 آذار (مارس)، حاول الباحثون المرتبطون بشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة تحديد هذه الحالة المزاجية ودراسة الكيفية التي غيرها الوباء بها.
يطرح "غالوب"، مركز استطلاعات الرأي، الأسئلة نفسها على الناس في عشرات البلدان. ويطلب السؤال الأكثر كشفاً منهم أن يتخيلوا سُلَّمًا بدرجات مرقمة من صفر إلى عشرة. وتمثل الدرجة العليا أفضل حياة يمكن أن يعيشها المرء، بينما تمثل الدرجة السفلية الحياة الأسوأ. ما الدرجة التي تقف عليها الآن؟
تشير ردود الناس على هذا السؤال، المعروف باسم سُلَّم "كانتريل"، (بطريقة مدهشة إلى حد ما) إلى أن العالم كان سعيدًا بين أسنان جائحة مروعة كما كان حاله تقريباً قبل أن يضرب فيروس كورونا. وقد ارتفع متوسط العلامات عبر 95 دولة، ليس مقيساً بعدد السكان، بشكل ضئيل من 5.81 في الأعوام 2017-2019 إلى 5.85 في العام 2020. لكن نمط الرضا عن الحياة قد تغير. لقد جعل "كوفيد - 19" كبار السن أكثر بهجة. وشهد عدد قليل من البلدان خسرانهم بعض السعادة؛ بينما راكموا في أخرى المزيد منها.
يهدد "كوفيد - 19" كبار السن أكثر بكثير من الشباب، حيث يتضاعف خطر الوفاة بعد الإصابة بالمرض لكل ثمانية أعوام إضافية من العمر. ومع ذلك، ابتهج كبار السن. على الصعيد العالمي، تعززت السعادة بين الأعوام 2017-2019 و2020 بمقدار 0.22 نقطة على "سلم كانتريل" بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا. وتضع سيلينا بياتريس غازيتي دوس سانتوس، وهي عالمة نفسية تبلغ من العمر 64 عامًا في ساو باولو، قائمة بالأشياء التي قد تعكر مزاجها -الوباء، والفساد المستشري، والحكومة البغيضة، وبؤس الآخرين. ومع ذلك، تعلن نفسها سعيدة ومتفائلة باطراد، على الرغم من كل ذلك.
في بريطانيا، وهي دولة تتمتع ببيانات ممتازة عن السعادة، تراجَع الجميع، لكنَّ مزاج البعض انخفض أكثر من البعض الآخر. هناك، وفي البلدان الغنية الأخرى، كان المظهر العمري للسعادة قبل انتشار الوباء على شكل حرف U تقريبًا عند وضعه على الرسم البياني، حيث يبدأ الناس حياتهم في حالة من البهجة، ويصبحون أكثر كآبة في منتصف العمر، ثم يبدأون بعد سن الخمسين في الشعور بالسعادة مرة أخرى. ومع ذلك، فإنهم يعودون -إذا وصلوا سناً متقدمة جدًا- إلى الحزن والإحباط والخمول.
اليوم، يتخذ النمط شكل منحدر صاعد. ويكون الشباب أقل رضا من متوسطي العمر، الذين هم أقل رضا من كبار السن. وقد يعزى ذلك إلى برنامج التطعيم البريطاني الذي استهدف كبار السن أولاً. لكن هذا النمط بالكاد كان مختلفاً خلال العام الماضي. فقبل أشهر من اعتياد البريطانيين على ما يسميه البعض "الفايزر" و"الأسترا زينيكا"، كان شيء ما قد تغيّر مسبقاً.
مكنت برمجيات الاتصال بالفيديو العديد من كبار السن من البقاء على اتصال مع عائلاتهم -وأحيانًا أفضل مما كان عليه الحال قبل الوباء. وفي البلدان التي فرضت الإغلاق، أسعدتهم معرفة أن المجتمع قدم تضحيات من أجل حمايتهم. وكما يشير جون هيليويل، الاقتصادي في جامعة كولومبيا البريطانية الذي شارك في تأليف جزء من تقرير السعادة العالمية، فإن كبار السن يشعرون الآن بأن صحتهم أفضل. على الصعيد العالمي، قال 36 في المائة فقط من الرجال الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا إنهم عانوا من مشكلة صحية في العام الماضي، بانخفاض عن متوسط 46 في المائة في الأعوام الثلاثة السابقة. وبين النساء، انخفضت الشريحة التي قالت أنها تعاني من مشاكل صحية من 51 في المائة إلى 42 في المائة. وربما لم يصبح كبار السن بصحة أفضل حقاً. لكن فيروس "كوفيد - 19" ربما يكون قد غيّر المقياس. وهكذا، أصبح كبار السن يشعرون بأنهم بصحة أفضل لأنهم نجوا من مرض كان يمكن أن يقتلهم.
في هذه الأثناء، عاش الشباب سنة صعبة حقاً. الكثيرون فقدوا وظائفهم -في أميركا، ارتفع معدل البطالة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا من 6.3 في المائة في شباط (فبراير) 2020 إلى 25.6 في المائة بعد شهرين (انخفض المعدل مرة أخرى إلى 9.6 في المائة الشهر الماضي). وفي بعض البلدان الغنية، عانت الشابات بشكل خاص من أوقات عصيبة. فهن غالبًا ما يعملن في قطاعات تم إغلاقها، مثل الضيافة. وعندما تغلق المدارس، فإن الكثيرات من النساء يصبحن مثقلات بأكثر من نصيبهن العادل من رعاية الأطفال.
كما أن لدى الشباب أيضًا حياة اجتماعية مزدحمة. ويبدو أن وجود الكثير من الأصدقاء، على عكس ما يذهب إليه الحدس، جعل الوباء أكثر صعوبة. فقد وجدت إحدى الدراسات التي أجراها بن إثيريدج وليزا سبانتيغ، وكلاهما يعمل في جامعة إسيكس، عن بريطانيا، أن النساء اللواتي لديهن أربعة من الصديقات والأصدقاء المقربين على الأقل تراجعن على سُلم السعادة أكثر من أي أحد آخر خلال فترة إغلاق ربيع العام 2020. وتقول الباحثة، شياووي شو، من معهد الدراسات المالية: "الأشخاص الذين اعتادوا على رؤية الكثير من الأصدقاء يعانون حقًا -والنساء والشباب لديهم أصدقاء أكثر".
وكان أداء بعض البلدان أفضل من غيرها. ففي حين تراجعت سعادة البريطانيين في العام 2020، ارتفعت ألمانيا من مرتبة الدولة الخامسة عشرة الأسعد في العالم إلى سابع أسعد دولة. وقد عانت بريطانيا من عمليات إغلاق طويلة ومعدل وفيات زائد بلغ 190 وفاة لكل 100.000 شخص منذ بداية الوباء. ويبلغ معدل الوفيات الزائدة في ألمانيا 77 فقط لكل 100.000. وطيلة معظم العام الماضي، حاربت ألمانيا فيروس كورونا أفضل بكثير من معظم دول أوروبا، على الرغم من أنها استمرت في التعامل بطريقة سيئة مع مسألة التطعيم -وهو ما دفع "بيلد"، وهي صحيفة تابلويد شعبية، إلى أن تعلن في شباط (فبراير): "عزيزتي بريطانيا، نحن نحسدك".
من اللافت أن البلدان التي كانت على رأس الرسم البياني للسعادة قبل الوباء ظلت هناك. وكانت الدول الثلاث الأعلى تصنيفًا في العام 2020 -فنلندا وأيسلندا والدنمارك- من بين البلدان الأربعة الأولى في 2017-2019. وقد تعاملت هذه الدول الثلاث بشكل جيد مع "كوفيد - 19"، ولديها معدلات وفيات زائدة أقل من 21 لكل 100 ألف شخص. ولدى أيسلندا معدل سلبي. ومن المفيد للبلد في هذه الحالة أن يكون جزيرة نائية.
لعل الاقتراح الأكثر إثارة للاهتمام في تقرير السعادة العالمية هو أن بعض الصلات بين "كوفيد - 19" والسعادة تعمل في كلا الاتجاهين. ولا يشير المؤلفون إلى أن السعادة تساعد البلدان على مقاومة "كوفيد - 19". لكنهم يجادلون، بدلاً من ذلك، بأن أحد الأشياء التي تحافظ على السعادة الوطنية يجعل الأماكن أفضل في التعامل مع الأوبئة أيضاً. هذا الشيء هو الثقة. وتظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "غالوب" أن العديد من الأماكن التي تعاملت بشكل أفضل مع "كوفيد - 19"، مثل دول الشمال ونيوزيلندا، تمتاز بثقة واسعة في المؤسسات والأجانب. وتعتقد أغلبية كبيرة من سكانها بأن الجار سيعيد لك محفظتك إذا وجدها.
فشلت الدول في التخلص من "كوفيد -19" لأسباب عديدة واضحة. بعضها فقير. وبعضها يُقاد بشكل سيئ. وبعضها يفتقر إلى الخبرة الحديثة مع أمراض مشابهة مثل الـ(سارس). أو أنها لا تستطيع حراسة حدودها كما ينبغي. لكن جيفري ساكس، الخبير الاقتصادي بجامعة كولومبيا، يقترح سببًا آخر: لقد قرر السياسيون والمسؤولون في العديد من الدول الأوروبية والأميركية الغنية أنهم لا يستطيعون طلب الكثير من الجمهور. وأدى مزيج من الفردانية والثقة المؤسسية الأقل من صلبة إلى شعورهم بأنهم غير قادرين على الإصرار على فرض الحجر الصحي أو ارتداء أقنعة الوجه إلى أن أصبح الوضع يائسًا.
الناس الذين لا يحتاجون إلى أناس
إذا كان هذا صحيحًا، فإنه قد يساعد على تفسير تغيير واسع على مستوى الإقليم: انخفاض منسوب السعادة في أميركا اللاتينية وزيادة السعادة في شرق آسيا. فقد أصبحت الأرجنتين، والبرازيل، وكولومبيا والمكسيك أقل سعادة في العام 2020؛ وأصبحت الصين واليابان وتايوان أكثر سعادة، على الرغم من تراجع كوريا الجنوبية قليلاً على السُّلم. ويبدو الأمر كما لو أن بلدان أميركا اللاتينية كانت تتمتع بالنوع الخاطئ من السعادة قبل العام 2020، كما يقول هيليويل -سعادة تديمها الروابط الاجتماعية الوثيقة بين الناس، وليس المستويات العالية من الثقة الاجتماعية. وقد وجد استطلاع عالمي أجري في العام 2019 أن 52 في المائة فقط من الناس في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يعتقدون أن جاراً يجد محفظة نقودك سوف يعيدها؛ واعتقد 41 في المائة فقط بأن شرطياً سيفعل. وهذه أدنى حصة للثقة في أي منطقة في العالم.
جعل انعدام الثقة السائد من الأصعب على دول أميركا اللاتينية التعامل مع "كوفيد - 19" بطريقة شاملة. يمكن أن يبتعد الناس عن بعضهم البعض -وهم يفعلون، لكن هذا صعب عاطفياً في البلدان التي يكون الناس فيها اجتماعيين عادةً. وقد حُرم المكسيكيون من وجبات غدائهم الترفيهية يوم الجمعة والتجمعات العائلية يوم الأحد (على الرغم من استمرار البعض في ذلك على أي حال). "لقد غيَّر الوباء الكثير"، يقول، بأسى، إدميلسون دي سوزا سانتوس، عامل البناء في بارويري، إحدى ضواحي ساو باولو. "أصبح عليك أن تتوقف عن عيش حياتك".
ويبقى هناك لغز وطني كبير. لقد استجابت أميركا بشكل سيئ لـ"كوفيد - 19"، وعانت أكثر من 500.000 حالة وفاة زائدة. ومع ذلك، كشف استطلاع "غالوب" عن ارتفاع طفيف في مستوى السعادة لدى الأميركيين في العام 2020. وأظهر استطلاع أجرته جامعة جنوب كاليفورنيا أن التوتر النفسي والقلق قد تصاعدا في أميركا في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) الماضيين، لكنهما هدآ بعد ذلك. وبدا أن موجتين متتاليتين من العدوى والوفاة لم تؤديا إلى زيادتهما مرة أخرى.
نفذت العديد من الولايات الأميركية عمليات إغلاق ضعيفة إلى حد ما، بالنسابة للبالغين على الأقل -بالنسبة للقيود المفروضة على أطفال المدارس، فإنها تبدو حازمة لا تلين. ويمكن أن يكون ذلك قد أبقى معنويات الناس عالية. ووجد أبي آدمز براسل من جامعة أكسفورد وباحثون آخرون أن الموجة الأولى من الإغلاق في الربيع الماضي أدت إلى انخفاض الحالة المزاجية للنساء. ويمكن أن يكون التحزب المتطرف مفيداً أيضًا. فقد أمضى العديد من الأميركيين العام الماضي في عالم معلومات بديل، والذي كان فيه "كوفيد - 19" مرضاً خفيفاً مثل الانفلونزا تمامًا. ومن الصعب أن يكون المرء منزعجاً كثيراً عندما يعيش مع أخبار كاذبة.

اضافة اعلان

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: It might seem crazy: The pandemic has changed the shape of global happiness