الوجبة القادمة من التعديلات الدستورية

سامح المحاريق أثارت التعديلات الدستورية التي أقرت من مجلس النواب مؤخراً جدلاً سياسياً معمقاً على مستوى النخب القائمة، وبقدر ما مضى المتجادلون في تقديم الافتراضات واستدعاء المعيقات والتفتيش في النوايا، فإن الجدل نفسه كان محدوداً، وعلى المهتمين بالسياسة وتحولاتها أن يخرجوا قليلاً من أوساطهم اليومية في أماكن عملهم وصفحاتهم على مواقع التواصل، ويحاولوا إقامة حوار بسيط مع عينة عشوائية من المواطنين ليدركوا أنهم ليسوا على دراية كافية بما يجري، وأنهم مع المضي قدماً في شرح الآثار المترتبة على التعديلات، لن ينفعلوا بالتفاؤل أو يغرقوا في التشاؤم، وسيكون تعليقهم مرتبطاً بمدى تأثير ذلك على حياتهم اليومية، على حقوقهم وفرصهم. يخرج رئيس الوزراء بنظرية مفادها أن الحكومات القائمة هي برلمانية بطبيعتها لأنها مرتبطة بالحصول على الثقة من مجلس النواب، ويخلط وزير التنمية السياسية بين الحكومة البرلمانية والحزبية، وفي جميع الأحوال فالحكومة تمثل طبقة واحدة تضم من يمتلكون رفاهية الاشتغال بالسياسة، سواء قدموا من مؤسسات الدولة أو النقابات أو أصحاب المصالح الفئوية مثل المقاولين والتجار والمهنيون ذائعي الصيت، وهذه الطبقات تحالفت وتقاطعت وساومت وتبادلت المصالح، وبقيت نتيجة ذلك تمثل الصندوق الذي تحوزه مؤسسة العرش للاختيار، وعندما تفكر هذه المؤسسة في البحث خارج الصندوق من الطبيعي أن تتحالف معظم هذه الفئات من أجل أن تضرب استراتيجيات التوسع والخروج من دوائر العلاقات القائمة. الوجبة الأخيرة من التعديلات الدستورية لا تتخطى ما يمكن وصفه بالتحريك والتأمين، أي فتح الأبواب أمام تشكلات سياسية جديدة يمكن أن تنتج وجوهاً مختلفة تحمل مقاربات وحلول نوعية، وفي الوقت نفسه تأمين بعض المواقع من التجاذبات ودوامة التجربة والخطأ، فواقع الأمر أنه يمكن تجريب وزير العمل أو الثقافة أو حتى المالية، ويمكن العودة عن أي قرارات خاطئة يتخذها، ولكن هل يمكن تجريب قائد الجيش أو مدير المخابرات العامة؟ هل تسمح ظروفنا بذلك أصلاً؟ هل يمكن أن تناط هذه المواقع بتيارات سياسية بعضها يرى أن التنظيمات المسلحة أمر يمكن التسامح معه طالما أنه جزء من مشروع عابر للدولة؟ وبالمناسبة، هل يمكن أن نسأل عن الهوية السياسية لقائد الجيش الأميركي؟ هل يعتبر تمسكه بالدستور أمام تلميحات دونالد ترامب مبرراً لتصنيفه موالياً للحزب الديمقراطي؟ سنحتاج، ولا سيما أن رئيس الحكومة ووزير التنمية السياسية مختلفان حول تعريف الحكومة البرلمانية، إلى وجبة جديدة من التعديلات بعد سنوات من اليوم، ستقوم بالتصويب وتوظيف الدروس المستفادة، ولا يعني ذلك عبثاً بالدستور، بقدر ما هي محاولة للتقدم التدريجي المدروس، فليس أسهل من وضع دستور جديد متكامل والانتظار لنتائج لا يعرف أحد كيف يمكن أن تمضي خاصة أن النماذج غير المشجعة في المنطقة العربية كثيرة، ولا يجب علينا أن نفترض أننا استثناء وأن ثقافتنا السياسية والفكرية مختلفة من حيث المبدأ، وإن يكن ثمة ما يختلف، هو قدرة الأردنيين على التسامح وعدم توظيف الحقد والانتقام سياسياً، أما غير ذلك، فهي نفس “المضبطة” التي تصبغ المزاج السياسي من المحيط إلى الخليج. الاستعجال بتقديم حكومة برلمانية في ظل الوضع القائم للروافع السياسية، الأحزاب والنواب المزمنون والبيروقراطية الراهنة، يمكن أن يأتي بأثر سلبي. إذن، المطلوب هو الفعل السياسي الذي يتوجه إلى مغالبة طبقة سياسية تريد أن تبقى في الصورة وأن تضمن إعادة إنتاج نفسها والمحافظة على مواقعها ومكتسباتها.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان