"الوطني لحقوق الإنسان" خارج التغطية في مشهد محلي ملتهب

لم نكن نحتاج لقراءة تصريحات عدد من ناشطي الحراك الشعبي، لنلمس أن المركز الوطني لحقوق الإنسان بات، منذ عدة أشهر، خارج التغطية؛ وأن ثمة انطباعا عاما قد تشكل بالغياب الواضح لدور هذا المركز في العديد من المحطات والأحداث التي تقع في صلب دوره واهتمامه. اضافة اعلان
نقول ثمة انطباع عام نلمسه بهذا الغياب، خاصة عند مقارنة أداء ونشاط المركز في السنوات الماضية، ودوره البارز في العديد من المحطات والأحداث المهمة التي منحت المركز، الذي باشر أعماله منذ منتصف العام 2003، موقعا مهما في المشهد العام والسياسي والحقوقي.
التغير أو الغياب عن الرأي العام كان واضحا منذ خروج المفوض العام السابق الدكتور محيي الدين توق، وتسلم الدكتور موسى بريزات هذا المنصب. ولا نريد أن نظلم الدكتور بريزات ولا طاقم المركز وكفاءاته المهنية والقانونية، بغمطهم حقهم، واتهامهم بأنهم لم يعودوا يعملون كما كان الوضع عليه في السابق، لكن الدفاع عن هذا الدور و"الإنجازات" التي يمكن أن تكون قد تحققت، هو مسؤولية المركز نفسه، ومسؤولية إدارته ومفوضه العام، وهنا تكمن المشكلة!
فإدارة المركز الجديدة، كما بات واضحا، تتبنى فلسفة "الابتعاد" عن الإعلام، والعمل خلف الكواليس. وهو موقف لم يتردد الدكتور بريزات في التعبير عنه صراحة مؤخرا، متجاهلا أن مثل هذه الفلسفة لا تضر الإعلام ذاته، بل هي انتقاص من حق الرأي العام في معرفة والحصول على موقف من هذه المؤسسة المحترمة في قضاياه المهمة، كما أن فيها ظلما للمركز نفسه، ولكفاءاته المهنية والقانونية.
يمكن رصد هذا الغياب لموقف المركز في قضايا الانتهاكات التي تعرض لها نشطاء الحراك الشعبي في الطفيلة والدوار الرابع. فرغم تحرك المركز، كما جاء في الأخبار، لمتابعة هذه القضية والشكاوى التي رافقتها، لم يتفضل علينا المركز حتى اليوم بالتعبير عن موقفه مما جرى، مع أن ذلك يقع في صلب دوره. والأنكى من ذلك أن الدكتور بريزات أبلغ نشطاء الحراك أن المركز لن يعلن تقرير لجنة التحقيق للإعلام، حتى بعد انتهائه!
كما غاب المركز عن قضية إحالة ناشر موقع "جراسا" الإخباري، الزميل جمال المحتسب، إلى محكمة أمن الدولة على خلفية مادة خبرية. ويمكن تعداد أكثر من حادثة ومحطة في هذا السياق.
كان يمكن فهم أو تبرير تغيب المركز الوطني لحقوق الإنسان عن واجهة الإعلام والتواصل مع الرأي العام في فترة ما قبل الربيع العربي، واشتعال الحراك الشعبي الأردني، وكان يمكن للرأي العام أن يتقبل، ولو على مضض، مثل هذا التغيب حينها، وأن يتفهم فلسفة العمل والتحرك في الظل؛ أما اليوم، ومع التغييرات الجذرية التي شهدتها الحياة العامة الأردنية والعربية في ظل الربيع العربي، واستعادة الشعوب لزمام الأمور في التعبير عن إنسانيتها وحقوقها وحرياتها، فلم يعد مفهوما تبني فلسفة العمل في الظل.
تمتلك مؤسسة المركز الوطني لحقوق الإنسان عدة معطيات وأوراق تمنحها قوة الحضور والتأثير في الحياة العامة، والدفاع عن الحقوق الدستورية والقانونية، تبدأ مما منحها إياه قانون المركز، وصولا إلى ما شكله إرثها المهم عبر السنوات الطويلة من العمل والمقارعة دفاعا عن القانون وحقوق الناس. ونستذكر هنا الموقف المحوري في تعرية التزوير والاختلالات القانونية في الانتخابات البلدية وثم النيابية العام 2007.
ولا يقل الإعلام والتواصل مع الرأي العام أهمية ومحورية عن دور قانون المركز وإرثه التاريخي، في تحقيق الحضور والدور المطلوب لهذه المؤسسة؛ فالإعلام والنشر سلاح ضغط وردع للمسؤول والمؤسسات الرسمية عن الوقوع في التجاوزات والانتهاكات للقانون وحقوق المواطن، تماما كما القانون والتشريع، هذا إن لم يكن أكثر أهمية.

[email protected]