الوعيد والترهيب.. أسلوبان يستسهلهما الآباء و"يدمران" نفسية الأبناء

Untitled-1
Untitled-1
ديمة محبوبة عمان- لم يعد وجوده في البيت أمرا مريحا للأبناء؛ إذ يتعمد أيمن محمد أن يكون قاسيا مع أطفاله، وحازما بقراراته، يتقصد استخدام أسلوب التخويف كنوع من فرض الهيبة في البيت، ومنعا لحدوث أي خطأ يذكر! هذا ما تقوله زوجته مرام أحمد التي تشكو من تعامله السيئ مع أطفالهما، الأمر الذي أدى لكره هؤلاء الصغار للحظة التي يعود فيها والدهم من العمل للبيت، لأنه يبدأ بالصراخ والتهديد بالضرب على كل كبيرة وصغيرة، رغم محبته لهم. مرام حاولت مرارا وتكرارا التحدث مع زوجها عن هذا الأمر والطلب منه أن يتقرب أكثر من أبنائه وعدم اعتماد أسلوبي الترهيب والوعيد معهم، لكنها لم تستطع أن تغير شيئا. ما تحاول فعله هو تهدئة صغارها وإقناعهم أن والدهم يحبهم ويخاف عليهم كثيرا ويريد أن يكونوا أفضل من غيرهم، مبررة لهم استخدامه هذا الأسلوب. الاختصاصية التربوية رائدة الكيلاني، تبين أن الطفل بحاجة إلى معرفة الخطأ من الصواب قبل إصدار العقوبات والتهديدات، وعلى الأهالي الاقتناع أن هذا الطفل لا يملك المعلومة أو التجربة السابقة ما لم يخبره أحد بذلك، فالعقاب يأتي بعد التعلم واستنفاد سبل التغيير، ويتمحور دور الأهل، بالتوجيه وتبسيط ما يريدونه من أبنائهم وتكرار هذه التنبيهات. ويتوافق حديث الكيلاني مع ما يراه الخبير في حقوق الطفل والوقاية من العنف، ومستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، حول عواقب تهديد وترهيب الأطفال، قائلا "بعض الآباء يرهبون الطفل ويهددونه لاعتقادهم أنها الطريقة الجيدة لتربيته، وتنشئته ليكون قوي الشخصية معتمدا على نفسه، إلا أن هذا الأسلوب يأتي بنتائج عكسية ويجعل الطفل يتصرف بشكل سلبي". ويضيف جهشان "أن لجوء الأب أو الأم لتهديد الطفل بهدف تعديل سلوك ما، أو لحثه على القيام بفعل محدد، هو مؤشر على الإخفاق برعايته وتربيته". ومن جهة أخرى، تتلقى ملاك طارق الكثير من النصائح من قبل والدتها على طريقة تربية طفليها، فهي تجد أن أسهل الطرق على سبيل المثال "التهديد" بأن تحرمهما من اللعبة المفضلة مدة يوم أو يومين، أو منعهما من الخروج من المنزل، أو الحرمان من رؤية أصدقائهما مدة محددة، لكن والدتها تؤكد أن طريقتها غير صحيحة، وترهيب الأولاد بهذا الشكل المستمر لا يجدي نفعا، ويؤثر على صحتهم النفسية في المستقبل. ويؤكد اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أن العقاب أو التهديد الدائم يدمر نفسية الطفل، وينهي صداقة ومحبة الطفل لوالديه، وقد يقلل من معاني الرحمة والحب لديه، ويحل مكانها سلوك عدواني انتقامي. ويضيف أن الطفل لا يملك الإدراك الكامل والتصور الواضح للتمييز بين الصواب والخطأ، فليست لديه الخبرات المتراكمة التي لدى الأبوين، وبناء على ذلك يتوجب عليه دائما الفصل بين الصواب والخطأ، في حين أن الأطفال الذين يتعرضون كثيرا للترهيب أو العقاب يصبحون عرضة للخوف والاضطهاد والتعنيف. وترى التربوية رائدة الكيلاني، أنه وفي حال توجه الأهالي إلى العقاب فيتوجب أن يكون تدريجيا، مثل الحرمان من اللعب مدة قصيرة، أو مشاهدة التلفزيون، فلا بد من التدرج في العقوبات، وألا تصبح عادة، فالأثر النفسي يكون كبيرا على الطفل وقد يشعر بانعدام الأمان. وينصح اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة، ألا يعاقب الطفل على شيء من تكوينه ونموه الطبيعي ككثرة السؤال والاستفسار أو مص الإصبع، أو كسر زجاج على سبيل المثال، والأصل الحديث معه لأخذ الحذر أكثر في المرات المقبلة. ويشرح الخبير في حقوق الطفل والوقاية من العنف جهشان، أن التهديدات عادة تحتوي على وعيد بارتكاب العنف نحو الطفل أو حرمانه مما يحب من ألعاب أو نشاطات أو حلويات أو التهديد بإهماله أو حبسه أو التوقف عن الكلام والتواصل معه، وحسب مرحلة نمو الطفل المبكرة قد يكون التهديد عبارة عن استخدام عبارات غير منطقية كالتهديد بالوحوش أو المجرمين أو بشخصيات مرعبة تتفاوت من مجتمع محلي إلى آخر. ويؤكد أن التهديد له مفعول مؤقت على تغيير السلوك السلبي للطفل، إلا أنه عاجلا أو آجلا سيصل إلى مرحلة هدم العلاقة الطبيعية بينه وبين والديه، ومن المعروف بالمراجع المسندة أن علاقة الطفل بوالديه هي الأساس في النمو والتطور الطبيعي، من النواحي الإدراكية والعاطفية والسلوكية، وهدم هذه العلاقة سيعيق تطور الطفل ونموه. ويقول الخبير جهشان "إن استجابة الطفل للتهديد مؤقتة، ولا تتعامل مع أسباب السلوك السلبي للطفل، وبالتالي تدفعه لهذه التصرفات في الخفاء تبعا لمرحلة تطوره، في حين يترك التهديد، حسب محتواه وتكراره ومرحلة تطور الطفل، صورة سلبية عن الوالد في ذاكرة الطفل قد لا تزول مدى الحياة". أما العواقب المتوسطة وبعيدة المدى للتهديد المتكرر تجاه الطفل فتشمل الاكتئاب والقلق وتدني احترام الذات وضعف العلاقة بالأقران، فهذه التهديدات تعد من أنماط العنف النفسي، كما أن التهديد بالعنف الجسدي والتهديد بالتخلي عن الطفل وإهماله له لها العواقب النفسية ذاتها. في حين تؤكد التربوية الكيلاني، أن على الأهالي الوقوف مع أنفسهم ومعرفة السبب الحقيقي لتعنيف أطفالهم وفرض عقوبات عليهم، والفارق بين الأفضل لأبنائهم أو استحقاقهم التعنيف، أو فقدانهم السيطرة على أعصابهم، مما يعني تعليم الأبناء عدم السيطرة على أنفسهم في حالات الغضب. أما مطارنة، فيشير إلى أنه حتى لو لجأ الأهل إلى العقاب أو التهديد به فعليهم أن يظهروا الرحمة والحب، وألا يتم إيذاء الطفل جسديا أو نفسيا بشكل حقيقي، ويظهر أنه لأجل المصلحة الشخصية ليس إلا. ويتحدث جهشان عن البديل من التهديد والترهيب، وهو الوقاية من ظروف توقع الطفل في مشاكل، فعند توفير الوالدين الظروف الوقائية المناسبة للطفل مسبقا، يقلل ذلك احتمالية تعريضه للتهديد. ومن ذلك، السيطرة على الغضب الذي قد يكون لأسباب خارجية ليس لها علاقة بالطفل، والتواصل معه بطريقة إيجابية، وعند المواقف الصعبة يتوجب التحدث معه بحزم وبعبارات قصيرة وبلطف بالوقت ذاته، وتقويم سلوكه بطريقة صحيحة، وتعليمه تحمل المسؤولية، والمشاركة في إصلاح العواقب التي تنتج عن أفعاله.اضافة اعلان