الوعي في مواجهة الكورونا

د. هيثم أبو كركي

تضافرت الجهود الحكومية بهدف الحد من انتشار وباء الكورونا بشكل انعكس باتخاذ إجراءات وقائية تطلبت حظر التجوال في كل المدن الأردنية للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وقد رصدت عدسات المصورين والمدونين العديد من المظاهر السلبية كانت في أغلبها محاولات لكسر حظر التجول دون أسباب، وقد تعاملت معها الأجهزة المعنية وتم اتخاذ ما يلزم من إجراءات بشأنها، وفي هذا المقام أحب أن أتطرق لبعض الجوانب السلبية الأخرى التي رافقت حربنا ضد هذا المرض.
فعلى سبيل المثال لاحظت تمجيدا وصل إلى حد المبالغة لأشخاص الوزراء المسؤولين عن إدارة الأزمة، فقد تابعت الكثير من ردود الأفعال حول طريقة إدارة الحكومة لأزمة الكورونا والتي تمجد الحكومة وترفعها إلى عنان السماء، ولي في هذا المقام بعض الملاحظات.
بداية؛ إن مسؤولية إدارة الأزمة تقع كليا على عاتق الحكومة وهي تقوم بواجبها الدستوري، وهي للإنصاف ما زالت تدير الأزمة باحترافية عالية، وهي تؤدي الواجب الذي وجدت من أجله، فهي صاحبة الولاية العامة المكلفة بحماية الشعب والمحافظة عليه. ثانيا، إن الطريقة المثلى لدعم الجهود الحكومية ونشر الطاقة الإيجابية هو الاتزان والالتزام بالتعليمات والحجر الصحي، فلن تجني الحكومة من الإفراط المبالغ فيه في المديح ما يفيدها على أرض الواقع في هذه المرحلة. وثالثا، أتمنى من كل قلبي أن تنقشع الأزمة ويستمر الأداء الوظيفي والحكومي مميزا كما هو الآن، فالتميز يجب أن لا يكون حكرا على الأزمات وساعات الشدة بل يجب أن يكون ديدن الجهاز الإداري دوما وفي كل الظروف من خلال إيجاد حلول عملية واقعية قابلة للتطبيق لمشاكل المواطن اليومية الاعتيادية.
جميل أن نشعر بالعرفان تجاه من يقف معنا في لحظة الشدة، ونفخر جميعا بسواعد جميع أبناء الوطن من مدنيين وعسكريين الذين هبوا لأداء واجبهم في ساعة العسرة، وهو ما هو متوقع من أمثالهم في مثل هذه الظروف، فلا يجب أن نحصر المديح والثناء بأشخاص معينين، لأن ما تم إنجازه حتى الآن تم بتضافر جميع الجهود وليس جهدا فرديا، ومن الجميل أيضا أن نزن الأمور من منظور موضوعي لا عاطفيا، فالعاطفة المبالغ فيها سواء كانت حبًا أو كرهًا لسيت محمودة العواقب.
وقد لاحظت سرعة انتشار الإشاعات والأقاويل وبسرعة كبيرة وساعد في انتشارها مواقع التواصل والاتصالات بشكل أظهر سهولة انقيادنا للإشاعات والأقاويل وعدم تحرينا للدقة فيما ننشر أو نصدق، فوجد محبو الشهرة وجامعو الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة مواتية ليحصدوا المزيد من التفاعل مع صفحاتهم، فنشروا فيديوهات وتسجيلات لأشخاص غير مؤهلين ليقدموا رأياً علميا في موضوع انتشار المرض وطرق علاجه وحبذا لو قاموا بالتحري والتحقق قبل نشر محتويات قد تسبب ضررا كبيرا بانتشارها للمجتمع. كما لاحظت انتشارا لخزعبلات مختلفة وعودة لنصوص تداولها البعض على أنها نصوص مقدسة وأحاديث تنذر بنهاية العالم وبعلامات الساعة دون أن يكون لها أي أصل في القرآن الكريم أو في كتب السنة النبوية الشريفة.
إن تركيزنا على الخطأ يهدف لأن نتفاداه في قادم الأيام تطبيقا لمبدأ درهم الوقاية، فغالبا ما تكون الآثار السلبية للخطأ أفدح وأكثر كلفة من حيث الوقت والجهد والمال في الإصلاح، ونراهن هنا على وعي الشعب بأهمية الالتزام بالإجراءات الحكومية والتي تهدف لسد الذرائع ومنع انتشار المرض، فعلينا جميعا أن نقف صفاً واحداً في وجه انتشار الوباء، وأن نمنع الخطر قبل حدوثه، سائلين المولى عز وجل أن يحمي الأردن أرضا وقيادة وشعبا وأن يسلمنا من كل شر، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

  • باحث زائر بجامعة وسترن أونتاريو-كندا
اضافة اعلان