الوقوع في فخ أفعل التفضيل

تعتبر أفعل التفضيل جزءاً من مشكلة جوهرية ومقيمة في الفكر الإداري العربي، وليس الأردن وحده مسكوناً بهذه العقدة، فمعظم الدول العربية وصفت إستراتيجياتها ومواجهتها لوباء كوفيد – 19 بأنه نموذج ومثال ويذكرون إشادات وردتهم من منظمات دولية ووسائل الإعلام، ولا تستثني هذه الوضعية الدول التي خاضت في اجراءات فاشلة ولكنها أصرت على تسويق برامجها والإدلاء بأطراف من تجربتها المتخيلة.اضافة اعلان
لم تكن تجربتنا ناجحة، ولعل السلوك الإنكاري الذي اتخذته الحكومة السابقة التي اضطلعت بمواجهة الموجة الأولى من الوباء، كان واضحاً ويجب حتى تقييمه ودراسته، إن لم يكن محاكمته سياسياً على الأقل، فكان الأردن ينتقل بين ليلة وضحاها من (صفر) حالات إلى خانة مئات الحالات وإلى الآلاف في أيام معدودة.
نحمد الله بالطبع على أن الأمور لم تتجه إلى الأسوأ، لأن مواجهتنا بعد الاستفاقة من تخدير (رح ينشف ويموت) كانت جيدة بشكل عام، والأهم من ذلك واقعية، وإذا كان علينا أن نتعلم شيئاً فهو الاقتراب من الشفافية والخروج من فوضى تعدد التصريحات والمرجعيات، فصحيح أن الإعلام الأردني وجد فرصة من أجل استعادة المشاهدين والمتابعين الأردنيين، إلا إن ما حدث لم يكن صحياً، ولا يشكل الطريقة المثلى لإدارة الأزمة.
أمامنا كثير من الدروس المستفادة، وعلينا أن نعود مرة بعد الأخرى لضرورة التخلص من نموذج التفوق الذي يحاول المسؤول أن يصدره للمتابعين، وهو لا يحتاجه بالمناسبة، فهو ليس منتخباً، ولا تنتظره انتخابات مقبلة، وليس وراءه حزب يحكم على أدائه، فلماذا ذلك الإصرار على اللجوء إلى المبالغة والتهوين؟
نحتاج إلى رحلة في عقل المسؤولين لنتفهم ذلك، فبجانب نموذج الكوفيد – 19 تأتي الحكومة الإلكترونية التي وجدت فضاءً متسعاً للانطلاق مع الأزمة وخلالها، وما زالت تلقي بظلالها على الأردن مع الإصرار بالطبع على استخدام نفس استراتيجيات المديح الذاتي الذي تكيله الحكومة لنفسها، وكان آخر موقف يرتبط بما كتبه الوزير السابق عمر ملحس حول تعطل نظام التطعيم في مدينة الحسين للشباب وهو ما أدى إلى التكدس والانتظار المفتوح الذي لم يكن أحد من المراجعين يعرف متى وكيف سينتهي، وأمام تراكم الوقت الضائع على المواطنين يأتي الرد من قبل وزير الاقتصاد الرقمي بأن النظام بين (الأفضل) في المنطقة والعالم، وأن أي مشاكل يتم حلها ضمن (أفضل) معايير الاستجابة، ولا يوضح الوزير طبعاً ملابسات الانقطاع أو كيفية التعامل معه في حال تكراره، والأمر ينسحب طبعاً على كثير من الأنظمة التي طرحتها الحكومة مؤخراً.
وردت كلمة الأفضل مرتين في رد الوزير على موقع تويتر، أي في نص لا يتجاوز 280 حرفاً، والذي لا يعلمه الوزير أنه لا يصح أن يستخدم هذه الكلمة من غير مرجعية ما، أي مقارنة تمت من جهة محايدة وذات سمعة، ويفترض طبعاً اطلاع فريق وزارته على جميع الأنظمة حول العالم، وما إلى ذلك من اعتبارات علمية ومنطقية يجب أن تكون متوفرة لدى الوزير لتمكنه من استصدار الحكم.
نستخدم عبارة (الكلام ما عليه جمرك) ولكن في الحقيقة الكلام عليه جمرك، وجمرك باهظ أيضاً، إذ أنه يستنزف الثقة بين الحكومة والمواطن، بين ما تدعيه الحكومة من منجزات، وما نتلمسه في الواقع من مشكلات ومتاعب مرتبطة بهذه المنجزات، والجمرك هو رصيد الثقة الذي يتضاءل بين المواطن وحكومته، خاصة أننا لم نستفق إلى اليوم من (بنشف ويموت).