الولاء بالإكراه..!

علاء الدين أبو زينة دائماً هناك خيار الحصول على التأييد والولاء بالحب أو بالتخويف والإكراه. وينطبق هذا على مختلف مستويات العلاقات، من الفردية إلى السياسية وعلاقات العمل. ولكن، يبدو أن هناك اتجاهاً عالمياً إلى اختيار الإكراه والابتزاز لتأمين ولاء الأضعف وشراء موقفه. وفي الإقليم، كما في العالم، تتحدد أحوال البلدان الصغيرة قليلة الإمكانيات بدرجة ولائها للقوى الأكبر. وفي هذه الدول، ليس الاحتفاظ بموقف وطني ترى أنه يخدم مصالحها وينسجم مع روحها خياراً. وإذا خالفت، تتعرض للتجويع والحصار والتقسيم وأي وسائل ضغط ممكنة لفرض موقف خارجي قوي عليها – وأحياناً فيها نفسها. في الإقليم، لا تتصارع القوى المتنافسة على الهيمنة مباشرة، وتستخدم الحرب باوكالة باستغلال أي عوامل اختلاف ديمغرافية أو دينية أو طائفية في الدول التي تصبح ساحات معارك. وقد أصبحت بلداننا العربية – بدرجات متفاوتة- ساحات معارك على حساب نفسها وهويتها وانسجام مكوناتها. وعلى عكس المنافسين الإقليميين الآخرين الذين لهم مواقف وتعريفات وغايات جامعة يمكن تمييزها، يتفرد العرب بتقسيم أنفسهم ليصبحوا بلا ملامح. بالإضافة إلى القوى العالمية التي تتصارع في الإقليم بالوكالة، وتحاول تأمين ولاء العرب المختلفين بكل الوسائل، بما فيها العسكرية، تتنافس «قوى» عربية على النفوذ في دول شقيقة أو جارة، ليصبح الضغط الذي تتحمله هذه الدول مضاعفاً. وليس هذا طبيعياً ولا هو يخدم مصلحة أحداً غير أعداء العرب الذين لا يُخفون عداءهم لهم. ويجري استخدام سياسة «فرّق تسُد» الاستعمارية محلياً هذه المرة، باستغلال أي عوامل تقسيمية متاحة في المناطق المستهدفة لتأمين ولاء أطراف مقابل دعمها مالياً أو بغير ذلك. قد يكون لبنان الشقيق أوضح مثالٍ يعرض صورة مصغرة ومكثفة لتراكُب هياكل الهيمنة، بما يدمر حياة الناس ويربك خياراتهم ويشتت رأيهم. هناك، مثل الكثير من الأماكن المستضعفة في العالم والمنطقة، يتحول التنوع الطائفي والديني الذي ينبغي أن يكون ثراءً ونعمة إلى مصيبة ونقمة. وليست المشكلة فقط في ضغط القوى الكبرى لتغيير موقف البلد، وإنما يشارك العرب في إدامة تأزيم البلد بدلاً من مساعدته على التماسك والابتعاد عن عتبة حرب أهلية جديدة. وبسبب المواقف العربية، يضيع اللبنانيون. ففي حين يتحدثون جميعاً عن نبذ الطائفية والوحدة الوطنية كسبيل وحيد للتحول إلى دولة قانون قادرة على إيجاد الحلول لمواطنيها، فإنهم يعودون إلى عصبياتهم الطائفية عند أول اختبار. وفي كل ذلك، يستطيع أي مراقب أن يحدد بأمان ولاءات الطوائف والفصائل لجهات إقليمية مختلفة، منها عربية، وغير عربية. ربما كان أكبر محدّد، وضحية، لخريطة المنافسة العالمية والإقليمية هو القضية الفلسطينية. في الصورة الكبيرة، تتعرض كل المنطقة إلى ضغط خارجي متواصل – أميركي بشكل خاص- لقبول وتطبيع كيان استعماري بالتعريف في فلسطين. وفي كثير من الأحيان، يُحدد موقف دول المنطقة من الكيان درجة استقرارها/ اضطرابها. ويجري بوضوع ابتزاز العرب لتقديم تنازلات في هذا الموقف، إلى درجة مشاركة بعضهم في فرض التنازلات على عرب آخرين بالترهيب والترغيب. وتستخدم القوى الكبرى هذه القضية لتأزيم وتقسيم الإقليم، لتحول قضية يجب أن تكون جامعة إلى قضية تقسيمية –ودائماً لمصلحة العدو وعلى حساب استقرار كل العرب. لو أراد الغرب حل القضية الفلسطينية –على الأقل وفق ما اتفقت عليه الدول العربية وبعض الفلسطينيين، فإن المطلوب من الكيان الاستعماري معروف: إنهاء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والسماح بإقامة دولة فلسطينية، مع حل لمشكلة اللاجئين. ومن الواضح أنه لا يتم الضغط على العرب للقبول بهذا الحل وهم الذين اقترحوه. المطلوب في الحقيقة هو تطبيع الكيان بينما يواصل احتلاله لما منحته القرارات الدولية والمبادرة العربية للفلسطينيين. ومن المفارقات أن هذه المعادلة تورط لبنان الصغير، الذي تجعله معادلاته المعقدة ضعيفاً بقدر ما هو تكوين يحسب له الكيان حساباً أكثر من معظم العرب. قد يكون الحل المعروف لمشكلة العرب هو الكف عن استهداف بعضهم البعض والمساعدة بدلاً من ذلك من دون شرط الموقف مقابل النقود. ويجب الاعتراف بمسألة أن العدو الصهيوني يتفوق عليهم بالامتيازات، والإفلات من العقاب، ورخصة امتلاك أسلحة نووية، والعدوان على أي دولة متى شاء. ويجب الجلوس مع القوى الأخرى في الإقليم ومناقشة حلول وسط لمصلحة الجميع، من موقف عربي غير كاره للذات، قائم على الأساسيات التاريخية والقومية والبراغماتية المعروفة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان