الولاية العامة وأولويات الرئيس الرزاز

رغم عدم امتلاك أغلب رؤساء الحكومات المتعاقبة، على الأقل خلال العقود الثلاثة الأخيرة للولاية العامة الكاملة على إدارة الشؤون العامة كما ينص الدستور الأردني؛ فإن هؤلاء الرؤساء أو أغلبهم كانوا معنيين دائما برفع شعار امتلاك حكوماتهم لهذه الولاية بل وربما دخل بعضهم بصراعات مع مراكز نفوذ لتحصيلها ودفعوا الثمن سريعا في الصراع، لكنها بقيت –أي الولاية العامة الكاملة- الحاضر الغائب دائما وبدرجات متفاوتة لدى الحكومات في الجدل مع معارضيها والرأي العام! رئيس الوزراء الحالي د. عمر الرزاز لا يبدو معنيا كثيرا بجدل امتلاك الحكومة الولاية العامة الكاملة، وربما ولا حتى نصفها، ويكاد هذا المصطلح السياسي والدستوري يغيب تماما عن خطابات الرئيس الرزاز رغم أن الرجل "نحَتَ" خلال عمر حكومته القصير حتى الآن الكثير من المصطلحات السياسية والفلسفية بوصف حكومته وطبيعة اشتباكها مع المواطن والعلاقة معه. جدل الولاية العامة للحكومة توارى عن واجهة المشهد في المرحلة الأولى من حكومة الرزاز، التي كانت منشغلة فيها باستعادة ثقة الشارع بخطاب سياسي وفلسفي هادئ وتصالحي مع الناس، مع التركيز على ما يبدع به الرئيس الرزاز من تخطيط وتنفيذ منظم ومثابر في بعض الملفات الاقتصادية والخدمية والإدارية والتي سعى من خلالها الى إعاقة تشكل "كتلة حرجة" شعبيا ضد حكومته كما حصل مع سابقه د. هاني الملقي، وقد نجح، كما أعتقد، إلى حد كبير في ذلك. اليوم؛ يعود سؤال الولاية العامة الى الواجهة بقوة، ويطرق السؤال جدران "الدوار الرابع" صباح مساء، لكن دون أن يجد صدى من بين أروقة دار الرئاسة، بل ولا يبدو الرئيس الرزاز معنيا كثيرا بالاشتباك مع هذا السؤال ولا حتى محاولة حسم جدله او مناقشته بصورة علنية مع المنتقدين والمشككين بعدم امتلاك حكومته لهذه الولاية في ملفات رئيسية باتت تأكل بتسارع ما تبقّى من رصيد لحكومته، بل وتطغى سلبا على ما يمكن أن يعد انجازا وتقدما بملفات أخرى لدى الحكومة. صف طويل من الانتقادات بات يتزايد تجاه الحكومة في ملف الحريات العامة وحق التعبير المكفول دستوريا، حيث تزايدت في الفترة الأخيرة قرارات المنع لمسيرات وتجمعات سياسية لأحزاب وفعاليات سياسية معارضة، الكثير منها كان موجها ضد ما يسمى بـ "صفقة القرن" بالرغم من انسجامها مع الموقف الرسمي، وأيضا تزايد شكاوى حزبيين ونشطاء معارضين من انتهاكات قانونية ترتكب بحقهم وبتزايد بالفترة الأخيرة. وقد يكون الملف الأبرز هو ملف الاعتقالات لأعداد متزايدة من الحراكيين والنشطاء وحتى بعض المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الإقرار بأن العديد من الحالات المذكورة قد تكون خرقت بالفعل القانون والثوابت الوطنية المجمع عليها بخطاباتها وشعاراتها، إلا أننا كنا نحب أن تتم المحاكمة أمام القضاء النظامي. المهم، في هذا السياق، أن الرئيس الرزاز وحكومته يغيبان عن هذا المشهد والجدل حوله، ربما على قاعدة أنه ليس ملفا حكوميا رغم أنه في صلب مهامها، وعزز هذا الانطباع إعادة وزير الداخلية الحالي الى هذه الوزارة بالتعديل الأخير، حيث يبدو بشخصيته وأدائه السياسي كجزيرة منعزلة عن الفريق الوزاري، ما أعاد طرح الجدل حول سؤال الولاية العامة للحكومة، ورفع من وتيرة الانتقادات من قبل معارضين ومؤسسات مجتمع مدني لغياب الولاية في مثل هذا الملف الحساس. الثابت الوحيد في هذا الجدل اليوم هو غياب الصوت الحكومي و"الرزّازي" عن الإدلاء بدلوه فيه، حتى ولو من باب المناقشة العامة، ما يعيدنا إلى مطلع هذه العجالة، بأن الرئيس الرزاز لا يبدو معنيا كثيرا بإشغال نفسه بمعركة الولاية العامة ببعض الملفات. والله أعلم!اضافة اعلان