الوهم والحقيقة

من الوهم أن يواصل البعض اعتقاده أن الامور في العراق وسورية تسير بالشكل الذي كان سابقا، وأن يبني أولئك تصوراتهم وردود افعالهم على اعتبار أن الجيشين العراقي والسوري لا يستحوذان إلا على مساحات محدودة من أرض الشام وبلاد الرافدين، وأن يواصلوا الاعتقاد أن قوى الشر كـ"داعش" وغيرها تستحوذ على النصيب الوافر من تلك الأراضي.اضافة اعلان
الحقيقة أن الأمور تبدلت وتغيرت، وبات بقدرة الجيش العراقي الوصول لأي نقطة بأرض الرافدين حتى إنه استطاع تلقين مناصري البرزاني درسا لن ينسوه، وأجبرهم على التراجع عن مخططاتهم الانفصالية، كما أن الجيش السوري استطاع أن يستعيد أكثر من 85 % من مساحة سورية الكلية، وهو بطريقه لطرد "داعش" من آخر مدينة وهي البوكمال، ومن ثم سيتوجه للرقة لإعادتها لحضن الوطن السوري، ومن ثم إدلب ليتم بعدها طي الصفحة وإعلان انتصار الدولة والجيش السوريين.
من كان يخبرنا أن داعش ستمكث في سورية والعراق حتى العام 2025 كحد أدنى، كان واهما، وبات عليه أن يقتنع أن التنظيم انطفأت ناره في بلاد الشام، وعلينا أن نلحظ أن عصابات الظلام باتت تتوجه لشمال أفريقيا وليبيا، وهذا ما يدعونا للقلق على مصر العربية من خطر وصول عصابات إرهابية لأرضها، وربما بتنا نلحظ وصول بعضها لهناك وقيامها بعمليات ارهابية ضد الجيش المصري.
تلك هي الحقائق التي تتجسد على الأرض، وتلك هي المعادلة التي يتوجب التعامل معها من قبل دول الإقليم، وبالتالي فإن الجميع عليه مراجعة خياراته السابقة واستنباط خيارات جديدة يبني عليها معادلاته المقبلة، بناء على ما يراه على الأرض من وقائع وحقائق.
في السياسة لا يكفِي مواصلة نقد وجود قوات إيرانية أو روسية أو مقاتلي حزب الله على الأرض السورية، فأولئك جاءوا بدعوة من قبل الدولة السورية، التي ما تزال الأمم المتحدة تتعامل معها وتعترف بها، وبالتالي فإن الغطاء الدولي لتواجد تلك القوات مبرر، وتبقى الأمور الأخرى مجرد أمنيات وتمنيات بأن تبتعد هذه القوات أو تلك عن الحدود بضعة كيلومترات، ومن ثم يكون الخيار بيد الجيش السوري.
ما نشاهده اليوم أن كل الدول تراجع خياراتها، وبات التموضع واضحا وجليا وليس أدل على ذلك من التنسيق عالي المستوى الذي نراه يوميا بين إيران وتركيا وروسيا، والذي يتجلى باجتماعات متكررة لزعماء تلك الدول، وآخرها الاجتماع المقبل في سوتشي الروسية، وهذا التواصل يؤشر لوجود حلف حقيقي متماسك بينهم.
إذن؛ فإن إغماض العين لم يعد مفيدا، والبقاء في نهاية الركب دون حراك يجعلنا نفقد الكثير من الإحداثيات التي يتوجب عدم التفريط بها، كما أن إشاحة الوجه عن دول وازنة ولها أثر سياسي وعسكري كتركيا وإيران وروسيا غير مجدٍ، إذ بات واضحا أن من يتحكم بمعادلة الإقليم هي تلك الدول، حتى إن الوجود الأميركي في سورية ينظر إليه كوجود غير شرعي لا غطاء دوليا أو أمميا له، وما كشفته محطة "بي بي سي" البريطانية مؤخرا حول وجود تفاهمات حصلت بين الولايات المتحدة وداعش، وتأمين خروج أفراد التنظيم من الرقة بحماية أميركية يميط اللثام أكثر فأكثر عن حقيقة هذا التنظيم البربري، ويكشف الأيادي الخفية التي تتحكم به وتنقله من مكان لآخر.
سابقا لم يستمع أحد لروسيا وهي تعلن على رؤوس الأشهاد أن أميركا تتجنب تنظيم داعش، وتفتح له ممرات آمنة، وأن بعض قادته تم نقلهم من قبل الولايات المتحدة لمناطق أخرى، أما اليوم وبعد اعتراف أميركا بما حصل، فإن علينا التوقف عند هذا الأمر مطولا، وإعادة التفكير مجددا بما يجري، والنظر للمستجدات التي تحصل كل يوم والاصطفافات التي تحدث.
اللافت أن بعض الاصطفافات التي نلمسها حقيقية ووازنة، ولها أثر وتأثير على الأرض، أما الاصطفافات الأخرى التي تقودها أميركا فإن غالبيتها وهم، لا أثر أو وجود حقيقيا له على الأرض.