اليسار في البرلمان؟

بإعلان حزب الوحدة الشعبية قراره المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، يكون عقد اليسار "الحزبي" قد اكتمل؛ فقد سبق للحزبين الشيوعي و"حشد" أن أعلنا نيتهما خوض الانتخابات. جناحا البعث؛ التقدمي والاشتراكي، لم يتخذا بعد موقفا من الانتخابات، وإن كانت التوقعات تشير إلى مشاركتهما.اضافة اعلان
باستثناء "الوحدة الشعبية" الذي قاطع الانتخابات السابقة، خاضت بقية الأحزاب اليسارية والقومية الانتخابات، بشكل رمزي، ومع ذلك لم تحصل على أي مقعد في البرلمان.
قانون الانتخاب الجديد أكثر رفقا بالأحزاب؛ إذ يمنحها مساحة أكبر للتحرك في دوائر انتخابية واسعة، ويعطي الفرصة لتشكيل تحالفات على مستوى الدوائر، وطرح برامج انتخابية بمحتوى يحاكي هموم الناخبين المحلية ويستجيب، في الوقت ذاته، لاهتماماتهم الوطنية.
لكن كل ذلك على أهميته ليس كافيا. يتعين على الأحزاب أولا أن تغادر عقلية القلعة الأيديولوجية، وتشتبك مع الواقع بكل تعقيداته؛ وأن تنسج التحالفات العريضة مع شتى الأطياف الاجتماعية والسياسية، من غير ترفع وتمنع مصطنعين، لأنها ليست في وضع يعطيها حق إملاء شروطها على الآخرين.
المشاركة الرمزية لإثبات الوجود فقط، لم يعد لها معنى؛ يجب خوض المعركة الانتخابية بأكبر عدد ممكن من المرشحين. وفي الدوائر التي لا تتوفر فيها فرص نجاح الحزبيين، ينبغي أن لا تتردد الأحزاب في إعلان دعمها لأفضل الوجوه المطروحة، وخوض العملية الانتخابية إلى جانبهم كما لو أنهم أعضاء في تلك الأحزاب.
وليس صحيحا أن الحملات الانتخابية مكلفة ولا يستطيع غير المقتدرين تحمل أكلافها. ثمة وسائل خلاقة للتواصل مع الناخبين غير الوسائل التقليدية، وأكثرها تأثيرا اليوم مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمن خلال "فيسبوك" و"تويتر"، أصبح بإمكان المرشحين الوصول إلى كل ناخب، ومخاطبته بشكل شخصي، والحوار معه، لا بل والجلوس قبالته على الشاشة وتبادل الأفكار.
حتى يومنا هذا لم تصادفني على مواقع الـ"سوشال ميديا" صفحة لأمين عام حزب يساري أو قومي، ولا للأحزاب نفسها. وإن توفر مثل ذلك، فهي غير مفعلة، وعديمة الجدوى، سواء في المحتوى أو الشكل.
وإذا كانت هذه الأحزاب جادة في مسعاها للوصول إلى البرلمان، فعليها منذ الآن أن تختار مرشحيها، وتخضعهم لدورات مكثفة في فن التواصل الإلكتروني مع الناخبين، والوسائل العصرية في تدشين الحملات الانتخابية، وطرق جذب الناخبين لصناديق الاقتراع، وصياغة الشعارات القادرة على تحريك الجماعات المترددة من الناخبين، وكسر الاحتكارات التصويتية، بوسائل خلاقة، توفر خبرة الشعوب التي سبقتنا إلى هذا الميدان قسطا كبيرا منها.
الخطاب الاحتجاجي لن يحفز الناخبين على المشاركة. هناك حاجة ماسة لتطوير خطاب بناء، يقدم حلولا ناجعة لمشاكل الناس، ولا يعتمد الغيبيات الأيديولوجية والسرديات التاريخية التي عفا عليها الزمن.
وذلك يعني ببساطة أن على الأحزاب خوض الانتخابات بوجوه جديدة قدر المستطاع، وكسر التقاليد الموروثة في تصعيد القيادات إلى الواجهة.
الواقع الاقتصادي والاجتماعي الأردني زاخر بالظروف الصعبة التي تمنح الأحزاب الراغبة في إيجاد موطئ قدم لها حصة في البرلمان المقبل. كل ما هو مطلوب أن تفكر خارج الصندوق، وتتفاعل مع المتغيرات المتسارعة في المجتمع.