اليمن الحرب المنسية

أربع سنوات انقضت من الحرب الأهلية والإقليمية في اليمن من دون حسم أو كثير أمل بنهاية وشيكة لهذا العذاب، في حين تشتد المعاناة على شعب اليمن، وتدمر بناه وموارده وإمكانياته، ويتعمق الانقسام المذهبي والقبلي والسياسي بين مكوناته، مع حالة من عدم الالتفات العالمي الكافي لهذا البلد، مما جعل منظمة العفو الدولية تطلق عليها "الحرب المنسية".

اضافة اعلان

قبل أشهر قليلة، نقلت وسائل الإعلام تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خرقت جدار اللامبالاة حول اليمن؛ حيث وصف الكارثة الإنسانية في اليمن بأنها "الأسوأ في العالم"، وأضاف إلى ذلك أرقاما مرعبة منها أن ثمة "18 مليون إنسان في اليمن لديهم مشكلة في تأمين الغذاء"، و"أن الملايين منهم لديهم مشكلة في الحصول على ماء صالح للشرب"، وأن في اليمن مجاعة.

المفارقة هي أن الأغذية تصل إلى موانئ اليمن بكميات معقولة، ولا يمنع أي من الأطراف المتقاتلة انسياب الغذاء والدواء الى مختلف أنحاء اليمن بطريقة ممنهجة ومنظمة -كما يقول الإعلام ومنظمات الإغاثة-، ومع ذلك فمنظمات الإغاثة العاملة في اليمن تقدر بأن ثلثي اليمنيين يجدون صعوبة في تأمين الغذاء بسبب الحرب واختفاء ملايين فرص العمل، مما يؤدي إلى عدم توفر مصدر ثابت لتأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ونحو ذلك، وبالتالي الجوع والمرض المستمران.

الطريقة التي يحصل بها التجويع في اليمن تجعل من الصعب توجيه اتهام قانوني لأي طرف بالتسبب في هذه المجاعة، فالقوانين الدولية الحالية -بحسب خبراء- لا تغطي الحالة اليمنية بشكل مباشر، بحيث يمكن التعامل معها كجريمة ضد الإنسانية؛ حيث عدها خبراء استطلعتهم مجلة "ذا نيويوركر" الأميركية ثغرة في القانون الدولي. مما حدا بمعدي التقرير لأن يخلصوا إلى أن المجاعة العامة والواسعة ستشكل مستقبل الحروب المقبلة في العالم، وجعلوا من هذه النتيجة عنوانا للتحقيق ومن الحالة اليمنية نموذجا لكيفية حدوث ذلك.

ولا يجادل أحد بأن حالة المجاعة وعجز الرعاية الطبية المفضي إلى الوفاة في حرب اليمن هما من صنع الإنسان، وأنهما السبب الرئيس لوفاة ألوف أو عشرات ألوف اليمنيين، وهؤلاء لا تقتلهم الصواريخ والأسلحة الثقيلة والخفيفة مباشرة، ولكن هذه الأسلحة تحرق المزارع وتدمر الأسواق وتغرق قوارب الصيد، فلا يجد اليمني سبل الحياة ليذوي جوعا ومرضا.

المرض هو الوجه الآخر للمأساة اليمنية، مثل تفشي الكوليرا والأوبئة التي نتجت عن تراكم الأوساخ والإضرار بالبيئة، مما جعل منظمة الصحة العالمية تطلق تحذيرات حول اليمن، كان آخرها قبل أيام حول الكوليرا وسوء التغذية في الحديدة. أما المستشفيات والمراكز الصحية فمعاناتها شاملة، فمن نقص الكوادر المدربة إلى تأخر وصول العلاجات الضرورية والقصف الذي لا يستثني هذه المؤسسات.

واليمني غير مرحب به لاجئا في محيطه وفي العالم، فقد امتلأت سبل الهجرة في العالم، وضاقت أخلاق المستضيف، ونفد جراب الكرم، ولم يعد أحد في العالم يرحب باللاجئين خصوصا من العرب والمسلمين حتى قبل أن يأتي الدور على اليمن، فقبل بضعة أيام نشرت صحيفة الغارديان تقريرا عن أوضاع طالبي اللجوء من اليمنيين في كوريا الجنوبية، وأشار التقرير إلى مظاهرة في سيؤول ضد طالبي اللجوء اليمنيين الذين لا يزيد عددهم على بضع مئات وتحول إجراءات الهجرة الجديدة الخاصة باليمنيين من إمكانية أن يزيد هذا العدد، مع ذلك فإن هذا لم يمنع من حصول جدل واسع في كوريا حول كيفية التعامل مع طالبي اللجوء، ونشر عريضة موقعة من مئات آلاف الكوريين الجنوبيين تطالب الحكومة برفض طالبي اللجوء من اليمنيين وطردهم من البلاد.

طالت معاناة اليمن ولا يبدو في الأفق كثير أمل بانفراج شامل، فمفتاح الحل يحتاج إلى وفاق إقليمي وغطاء دولي وحكمة داخلية يمانية، ويبدو أن إنضاج هذه العوامل مجتمعة ليس متاحا الآن.