اليوم الأطول.. وإقرار الميزانية

يديعوت أحرونوت

ناحوم برنياع

اضافة اعلان

في تشرين الثاني 1984 نشرت مجلة "كوتيرت رشيت" عنوانا ملأ كل صفحتها الاولى: "وجدنا 500 مليون دولار". من ثار فضوله – الدولار كان في حينه عملة محترمة اكثر بكثير منها اليوم – وجد تحقيقا صحفيا معمقا، قام به الصحفي آريه دايان، عن ميزانية الوكالة اليهودية والهستدروت الصهيونية. "اذا ما اغلقوهما"، قالت المقدم، "فان وضع الصهيونية ووضع الدولة لن يسوءا: بل ربما العكس".
ما كان صحيحا قبل 37 سنة صحيح اليوم اكثر. فالوكالة، الصندوق القومي، الهستدروت الصهيونية، دائرة الاستيطان والصندوق التأسيسي، كل الاجهزة التي أدت دورا تاريخيا في الطريق الى اقامة الدولة فقدت منذ زمن بعيد الغاية من وجودها. اصبحت سلما للفساد ومدن لجوء لمتفرغين حتى القانون النرويجي الموسع لم ينجح في ادخالهم الى الكنيست.
في الكنيست يتقاتل الائتلاف والمعارضة الواحد ضد الآخر؛ اما في الوكالة فكلهم شركاء. مؤخرا انضمت حتى الاحزاب الحريدية الى الاحتقال: ايديولوجيا هي مناهضة للصهيونية؛ اما ماليا فهي معها تماما. في الكنيست يبصق الحريديم على الاصلاحات؛ اما في الوكالة فهم يتقاسمون معها الغنائم.
لقد ثارت مسألة وجود المؤسسات الوطنية من جديد بعد أن انكشف ان يئير لبيد حرص على ان يعين في مجلس ادارة الصندوق القومي نسيبته. وكشف نتنياهو عن تعيين لبيد (وتجاوز حقيقة أن آريه درعي، شريكه المخلص، عين في منصب أعلى في الصندوق القومي أخاه). فأجاب لبيد بان النسيبة ستجلس في الصندوق القومي بصفة متطوعة – وكأن غياب قسيمة الراتب يعفي الشخصية العامة من تسوية مشاكل تضارب المصالح، الاخلاقيات والمحسوبية.
جواب لبيد أحزنني. ففي اثناء اقامة الحكومة وفي اشهر ولايتها الاولى ابدى نضجا، ضبطا للنفس وفهما سياسيا استثنائيا. وقد اثر ليس فقط بما فعله بل وايضا بما امتنع عن فعله. فلأجل ربط ثماني احزاب من كل اطراف الطيف في ائتلاف واحد كان يلزم لبيد الكثير من التنازلات، بما في ذلك التنازلات التي تتعارض مع كل ما روج له في الماضي. الحكومة المنتفخة، مثلا، او القانون النرويجي، او الاموال الائتلافية. كل هذه الاستسلامات بررت بتبرير واحد، ثقيل الوزن: لا نفحص في ساعة الخطر. والخطر هو انتخابات خامسة واستمرار الفوضى من انتاج نتنياهو.
قصة النسيبة ذات مغزى بمعنى واحد: فهذه لا يمكن تبريرها بحل وسط ائتلافي. وهي تذكرنا جميعا بالعصر السابق، عصر الدولة هي أنا، عصر نتنياهو، إمسلم وريغف.
لماذا يجدر التوقف عندها؟ لان اقرار الميزانية في الكنيست غير من الاساس التوقعات من الحكومة. فالتهديد الفوري عليها ازيل: لم يعد الحديث يدور عن حكومة مشروطة، حكومة كل اضطراراتها. فالنصر كبير، ولكنه جاء مع ثمن: الناخبون يتوقعون، وعن حق، بان يبدي الائتلاف في سياق الطريق الوحدة اياها، التمسك بالمهمة اياه، النضج الذي ابداه في ليالي التصويت على الميزانية اياه. كل خطوة تذكر الناخبين بالأجواء في سنوات حكم نتنياهو الاخيرة، ستمس بفرص الحكومة في البقاء.
اليوم التالي للتصويت يجد الطرفين في وضع معقد. فقد تكبدت المعارضة هزيمة فادحة. انطفـأ سحر نتنياهو. اربع شخصيات مركزية فيه فيها – درعي، ليتسمان، دافيد بيتان وحاييم كاتس، يواجهون اجراءات جنائية من شأنها أن تبعدهم عن السياسة. ويفترض بالمستشار القانوني للحكومة ان يقرر حصير ملفاتهم في الاسابيع المقبلة. وسيتعين على نتنياهو ان يواجه المحاكمة، مشروع قانون ساعر وتشكيل لجنة تحقيق في قضية الغواصات. وفي الهوامش تبدأ المعركة على الخلافة.
لكن مشاكل المعارضة لا تحرر الحكم من واجب البرهان. قانون التسويات الذي اقر يتضمن اصلاحات بعيدة المدى: الحكومة ستختبر في قدرتها على تنفيذها؛ ويفترض بالكنيست ان تقر سلسلة قوانين موضع خلاف؛ ولن يكون سهلا تجنيد تصويت النواب غير الراضين؛ وكلما اقترب موعد التناوب ستزداد الضغوط على اعضاء الجناح اليميني في الائتلاف. لقد اعلن بينيت في المؤتمر الصحفي في منتهى السبت بانه سيلتزم بالاتفاق. وحسب كل المؤشرات هذه هي نيته. ولكن ليس له تحكم بالأحداث الخارجية، بجدول الاعمال، بالاعضاء في حزبه وفي الاحزاب الاخرى. السؤال كم النسبة التي يحصل عليها يمينا في استطلاعات الرأي العام ليس مهما على نحو خاص. الاهم هو مكانة الحكومة كلها في الراي العام. فهي لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تكون جيدة مثل حكومات نتنياهو الاخيرة: فليس لها الاحتياطات ذاتها. ليس لها مفر غير أن تكون ممتازة.