اليوم العالمي للإعاقة فرصة للتأمل والمراجعة

سمو الأمير مرعد بن رعد - (أرشيفية)
سمو الأمير مرعد بن رعد - (أرشيفية)

مرعد بن رعد بن زيد *

يأتي اليوم العالمي للإعاقة لهذا العام والأردن يحتفل ويفاخر بما حققه من إنجازات في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي كان آخرها صدور قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 ودخوله حيز النفاذ في أيلول (سبتمبر) الماضي، فهذا القانون يتوج مسيرة طويلة بدأها الأردن منذ عقود نحو النهوض بقطاع الإعاقة من مختلف جوانبه وعلى كافة صعده.اضافة اعلان
إنّ الاحتفال باليوم العالمي للإعاقة يمثل مناسبة ينبغي على الدول التوقف عندها للتأمل في ما حققته وما تصبو لتحقيقه ليس فقط في مجال الإعاقة بل أيضا في مضمار احترام حقوق الإنسان بمعناها الواسع، وإذا كان بلدنا قد سجل سبقا تشريعيا بإصداره قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بما يحمله من دلالات ومفاهيم غاية في الرقي والتقدم، فإن التحدي الماثل أمامنا جميعا يتجسّد في ترجمة نصوص هذا القانون إلى ممارسات وواقع ينعم فيه الكافة بحقوقهم وحرياتهم ووصولهم إلى الخدمات الرئيسية في بيئة خالية من العوائق والحواجز على اختلاف أنواعها، الأمر الذي يتطلب إرادة صلبة وعزيمة قوية تعكس نية جادة لاستكمال مسيرة النهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
لقد عانت قضية الإعاقة وما تزال من احتلالها مرتبة متأخرة على سلم الأولويات طوال الأعوام السابقة التي لعبت خلالها الجمعيات والمؤسسات التطوعية الخيرية الدور الأبرز في سد الفجوات وتلبية أبسط المتطلبات والاحتياجات للأشخاص ذوي الإعاقة. وعلى الرغم من أهمية الدور الذي قامت به وما تزال هذه الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية، إلا أنه قد حان الوقت الذي يتوجب فيه على الجميع الاضطلاع بمسؤولياته اتجاه شريحة من المواطنين تمثل ما نسبته 11.2 % من إجمالي عدد السكان في المملكة وذلك للفئات العمرية البالغة 6 سنوات فما فوق.
في ضوء الأرقام، فإنه من غير المتصور أن يكون الاهتمام بقطاع يشكل نسبة لا يستهان بها من السكان أمرا اختياريا أو أن يتم التعامل معه بمنظور خيري رعائي عوضا عن المنظور التنموي الحقوقي الذي يفرض على الجهات المختلفة ان تكون سياساتها وموازناتها وخططها وبرامجها شمولية مستوعبة وحاضنة لمتطلبات حصول الاشخاص ذوي الاعاقة على حقوقهم ووصولهم الى الخدمات والنظر اليهم بوصفهم شركاء فاعلين في رسم تلك السياسات والخطط والبرامج.
لقد عبر الاردن في اكثر من مناسبة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم حفظه الله عن الاهتمام بحقوق وقضايا الاشخاص ذوي الاعاقة، ذلك الاهتمام الذي تمت ترجمته سياسيا واستراتيحيا بمصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة عام 2008 ونشرها بالجريدة الرسمية بالعام نفسه. مع ضرورة التذكير بان المصادقة على الاتفاقية جاءت بدورها ترجمة لما سبق وأحرزه الأردن من سمعة ومكانة مرموقة على الصعيد الدولي في مجال الإعاقة. حيث كان في تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني لجائزة فرانكروسفيلت عام 2005 عن النهوض بقضايا الإعاقة تأكيدا للموقع المتقدم الذي يحتله الاردن في هذا المضمار على المستوى الدولي دون منازع.
إن المحافظة على مصداقية بلدنا وما أحرزه من تقدم في مجال حقوق الانسان بوجه عام وحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة على وجه الخصوص، يحتم على الجهات الوطنية كافة أن تتضافر جهودها وأن تضع قضايا الاشخاص ذوي الاعاقة على أعلى سلم أولوياتها، وذلك من خلال تبني منظور شمولي يتعاطى مع الإعاقة في سياق شعار يومها العالمي لهذه السنة "التحول نحو مجتمع مستدام ومرن للجميع"، هذا الشعار الذي يؤكده المبدأ الراسخ والمتجدد الذي أرسته حركة الاعاقة العالمية والمتمثل في شعار آخر لا يقل أهمية عن سابقه ألا وهو "ما هو جيد لنا فهو جيد للجميع". فلنسعَ لايجاد بيئة خالية من العوائق المادية والحواجز السلوكية يتمتع فيها الجميع بحقوقه الأساسية وحرياته المتأصلة على أساس من المساواة والعدالة والكرامة دون تمييز أو إقصاء.

* الأمير مرعد بن رعد بن زيد رئيس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.