اليوم العالمي للتسامح.. العيش بعيدا عن تعب القلوب

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- التسامحُ، يعني الرغبة بعيش حياة بعيدة عن كل ما يتعب القلوب والأرواح، أن تطغى الانسانية، والتوافق على العيش المشترك الذي أساسه التقبّل، علّ الخيرُ يعمّ، والشرُّ يقل، ويتفاخر الجميع بأنهم أناسٌ متسامحون، متعاطفون، محبون، متغاضون عن الخلافات وصغائر الأمور.اضافة اعلان
يوم دولي للتسامح، تعلنه الأمم المتحدة للاحتفاء منذ العام 1995، في سعيها لبث هذه الصفة في العالم، على أمل تعزيز التفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات والشعوب ونبذ الخلافات والعنصرية، عدا عن الحديث عن أهمية ثقافة التسامح بين الأفراد، في ظل ظروف عالمية متشعبة ساهمت في تجذر العنف والنفور في العالم.
وفي هذا اليوم الذي تم إقراره احتفاءً بذكرى مرور مائة وخمسة وعشرين عاماً على ميلاد المهاتما غاندي، حيث تضمن إعلان المبادئ الأساسي لهذا اليوم وفق خطاب اليونسكو في العام ذاته على أن "التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا"، الأمر الذي يؤكد أهمية نشر هذا المبدأ والصفة الإنسانية بين شعوب العالم.
على متسوى الأفراد، يتفق الجميع على أن التسامح هي صفة يكتسبها الإنسان المتصالح مع نفسه ومجتمعه، يتمتع بالإيمان القوي والقدرة على كظم الغيظ والعفو وتقبل الآخر بكل صفاته والمرور عن الهفوات والأخطاء، وبالتالي يكتسب محبة الآخرين. وهو ما يشير إليه الأخصائي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، حيث يصف في حديثه عن "التسامح" ما بين الأفراد والمجتمعات بأن هذه الصفة تُمثل مدنية السلام الاجتماعي والأمن النفسي، وهي حالة إنسانية مهمة للنفوس التي يملؤها الحب والتقبل.
تعميم صفة التسامح والقبول يسهم في تأسيس مجتمع آمن، يرسم معاني الحب في كل مكان، لأن الإنسان في طبعه يمكن أن يخطئ، ولكن وجود التسامح يعني "صفاء القلوب" وسيادة الاحترام وزرع المحبة والقبول المجتمعي، على حد تعبير مطارنة.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يتفق مع مطارنة في أن قيمة التسامح هي من القيم التي نادت بها كل الشرائع السماوية والتي من شأنها ان تنقي القلوب وتقرب وجهات النظر بين الأفراد والمجتمعات، لذلك تحرص تلك المنظمات الدولية على تأكيد هذه القيم من خلال الاحتفاء بها باعتبارها جزءا من التراث الانساني وتشترك بها كل البشرية، والتي قد تكون سبباً ان يعم السلام في المجتمعات المتسامحة والمتقاربة.
ويوكد جريبيع كذلك أن هناك ظروف متعددة منها اقتصادية وسياسة واجتماعية قلصت وجود هذه الصفة في المجتمع، حتى بتنا نشاهد التسامح قيمة نادرة في بعض الأماكن، لذلك كان الهدف الأساسي لمنظمات ودول ان تعم هذه القيمة بمفهومها الصحيح، لترتقي بالإنسان وتفتح مساحة للآخرين للتعبير والتواصل.
كما يرى مطارنة أن التسامح يعطي الآخرين فرصة في التفكير لاكتساب هذه الصفة، كما أن علم النفس وفي مجال تعديل السلوك يُثبت أن التكرار يولد العادة والتعلم، فإن كان هناك شخص متسامح في الأسرة، سيكون قدوة لباقي الافراد والمحيطين.
إلى ذلك، يؤكد مطارنة أن التسامح يمنح الإنسان حالة من الاطمئنان والراحة والتصالح مع الذات، والاستقرار النفسي والعطاء، وهو صفة المجتمعات الراقية المستقرة، و"علينا تعظيم صفة التسامح في المجتمع والحث على حب الآخرين والنظر للانسان والإنسانية بحب وتقدير كبيرين.
وتحاول الأمم المتحدة جاهدة أن تنشر فكره التسامح في مختلف دول العالم من خلال مجموعة من الفعاليات لنشر الأهمية الكبيرة لهذا اليوم، إذ قررت تخصيص مسابقة خاصة بهذا اليوم في سبيل الوصول لأكبر عدد ممكن من المجتمعات، بالإضافة إلى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للشرح عن فكرتها واهدافها التي خصصتها في هذا اليوم في سبيل تحقيقها.
المسابقة، كما اوضحت اليونسكو "سبيل لتعزيز التسامح واللاعنف من خلال مكافأة أشخاص أو مؤسسات أو منظمات تميزوا بقيامهم بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص، على مدار عدة سنوات، ترمي إلى تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف"، الأمر الذي يتيح للملايين عبر العالم بالمشاركة سواء ضمن نطاق منظماتهم أو مؤسساتهم أو بشكل فردي.
أبرز الأهداف التي وصفتها اليونسكو على أنها من مبررات الاحتفاء باليوم الدولي للتسامح هو نبذ الخلافات والمشكلات التي توجد بين الأفراد في الدولة الواحدة، والتعاون بينهم وبين مختلف الشعوب والثقافات، وتجنب التطرف بمختلف أنواعه والبعد عن الصراعات التي تدمر الحياة البشرية، بالإضافة إلى العمل على النهوض بحرية الإنسان وتوفير سبل الرفاهية له، حيث إن "التسامح هو وحده الذي يضمن بقاء المجتمعات الممتزجة في كل منطقة من مناطق العالم"، وفق اعلان اليونسكو.
وفي النهاية، يعتقد جريبيع أن ما "نشاهده من عنف وانتشار للجريمة تولدت بسبب الكبت والحروب والنزاعات، وحلت مشاعر الحقد والغضب بدل التسامح"، لذلك لا بد من استرجاع هذه القيمة الإنسانية والتذكير بها من خلال هذا اليوم، فهي دليل على السمو والرقي، و"لطالما كان مجتمعنا الأردني يقدم نموذجا للتسامح في أكثر من موقف ورسالة سواء رسمية أو مجتمعية، لانهاء الكثير من المشاكل والخلافات.
يشار إلى أن اليونسكو اعتمدت عدة شعارات على مدار سنوات للاحتفاء باليوم الدولي للتسامح، وابرزها "فلنتصافح معًا" و"فاعفوا واصفحوا" و "بالتسامح والتكاتف نبني مستقبلًا".