اليوم العالمي للحق في المعرفة والحصول على المعلومات

احتفل العالم في الثامن والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2020 باليوم الدولي للحق في المعرفة بمفهومه الشامل الذي ينطوي على الحق في الحصول على المعلومات.اضافة اعلان
وبهذه المناسبة، تستحضرني سياقات تاريخية شكلت مسألة السرية وإخفاء المعلومات من قبل السلطات خلالها قضية وجدت من يؤيدها تارة ويجيش لها المبررات اللازمة، ووجدت في الوقت ذاته من يقف في وجهها ويعدها انتقاصا من حقوق الأفراد، وقد يكون الفيلسوف كانط (1724-1804) من أبرز من وقف في وجه السرية في أعمال الدولة؛ معتبرا انها مصدر لحروب محتملة وفي ذلك يقول : " ان كل سياسة لا تتوافق مع مبدأ العلانية وتلتزم السرية والكذب تكون بالضرورة غير عادلة وان من لا يتبع القانون يجب عليه ان يخفي عمله، فعدم توافق السياسة مع العلانية هي علامة على عدم المصداقية ثم عدم العدالة ".
أما جيرمي بنثام فهو يرى في قاعدة السرية أداة للتآمر، كما انها تمثل عائقا امام تحقيق الديمقراطية؛ لذلك فإنّ إلغاءها يعتبر افضل علاج للآللام والاوجاع الاقتصادية والاجتماعية، ويرى في مبدأ علانية أعمال الدولة وسيلة لجمع المعلومات كافة؛ بهدف ايجاد اقتراحات مفيدة تساعد في التقدم الاقتصادي والسياسي، فالافصاح عن المعلومات -من وجهة نظره- هو الاصلح والطريق القويم نحو بناء الثقة العامة بين الأفراد والسلطات.
في المقابل وجدت فكرة السرية من يبررها، ومن المستغرب أنّ افلاطون عند تعرضه للدور الذي تمنحه السرية للحارسين او المديرين في مدينته الفاضلة أشار الى أن هؤلاء يجب ان لا يترددوا في استعمال الكذب لتحقيق مصلحة من يديرونهم. أما الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتاين أكد أنه : " لمصلحة الجماعة أن تكون هناك حاجة للغش، كما ان هناك حاجة لان يجهل الشعب الكثير من الاشياء الحقيقية ويعتقد في كثير من الوهم ". وقد بلغت فكرة السرية في عمل الدولة ذروتها لدى ميكافيللي؛ اذ رأى أنّه وباسم المحافظة على الدولة يجب ان تشتمل السياسة على السرية ، فمن خلال السرية يمكن حفظ النظام القانوني وهي بذلك- أي السرية- تعد ضرورية لممارسة السلطة.
هذه السياقات التاريخية تشير إلى أنّ معركة السرية والعلانية، وسعي الأفراد للحصول على المعلومات في مقابل السعي الدائم لحجبها أو إخفائها معركة لها جذور تاريخية ضاربة في القدم، وأنّ الذرائع التي كانت تساق لتبرير فكرة السرية كانت تتمحور في جلها بأنّها لغايات تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على الدولة وكيانها، وأنّ ما وصلت إليه البشرية من اقرار للحق في الحصول على المعلومات في المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفي التشريعات الوطنيّة أيضًا كان وليد صراع وتجاذبات طويلة ونضالات إنسانية ممتدة عبر التاريخ قادت في نهاية المطاف للاعتراف بهذا الحق، الذي اعتبرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 59/1 الصادر في 14 كانون الاول (ديسمبر) العام 1946 المحك الرئيسي للحقوق جميعها التي كرست الأمم المتحدة نفسها للدفاع عنها.