اليونان والهند مثلا

من المفترض أن يزور الكيان الإسرائيلي في الأسبوع المقبل رئيس الوزراء الهندي، وسط اهتمام إسرائيلي واسع، نظرا لمستوى العلاقات الإسرائيلية الهندية، وكون الهند باتت من أكبر مستوردي الصناعات الحربية الإسرائيلية. وفي هذه الأيام أيضا، تبلورت اتفاقيات جديدة بين الكيان، وكل من اليونان وقبرص، بضمنها اتفاقيات عسكرية. والى جانب هذا، بتنا نلاحظ تصدعات في مواقف دول شمال أوروبا تجاه الهيئات والمنظمات الفلسطينية. وهذا كله يجب أن يكون مدعاة قلق بالنسبة لمكانة القضية الفلسطينية. فاليونان والهند على وجه التحديد، كانتا ذات يوم، قلاعا لدعم القضية الفلسطينية سياسيا.اضافة اعلان
على مدى سنوات طويلة، ينتشر الادعاء بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية، والحكومتين السابقتين برئاسة نتنياهو، تواجه تراجعا في علاقاتها الخارجية مع دول العالم. وقد يكون هذا صحيحا، ولكن بشكل محدود، ينعكس بالأساس في تراجع زيارات القادة الأوائل في الدول المركزية؛ ففي مرحلة سابقة، كانت وتيرة هذه الزيارات أكبر.
ولكن عدا هذا، فبالإمكان القول، إن الحكومة الإسرائيلية الأشرس على مر سبعة عقود، تشهد "بحبوحة" في العلاقات الدولية، ولا تمر جلسة حكومية أسبوعية واحدة تقريبا، إلا وكان الوزراء مطالبين بالمصادقة على اتفاقية مع إحدى دول العالم أو أكثر. وكثير من هذه الاتفاقيات مبرمة مع دول "صغيرة" ومن جميع القارات، وهي بالأساس اتفاقيات اقتصادية، وتبادل خبرات. و"الخبرات" هي الصيغة "السحرية" لتمدد وتغلغل الاذرع الإسرائيلية والصهيونية في تلك الدول، في مجالات شتى، وأولها الجانب "الأمني".
وكما ذكر فإن اليونان والهند ومعهما قبرص، كانت عنوانا لدعم القضية الفلسطينية، في حين نشهد في السنوات الأخيرة تعميقا في علاقات تلك الدول مع الكيان في الجانبين العسكري والاقتصادي؛ خصوصا في ظل حكومة المستوطنين، وشملت الاتفاقيات تصدير صناعات عسكرية للهند، ومناورات حربية مشتركة مع اليونان وقبرص. وهذا لا يتوقف عند هذه الدول الثلاث، بل أيضا دول عديدة من جنوب الاتحاد السوفييتي السابق، وأفريقيا على وجه الخصوص.
بموازاة ذلك، فإن دول أوروبا الشمالية، التي بقيت ثابتة حتى زمن قريب في موقفها من القضية الفلسطينية، وفي شكل تعاملها في السلطة الفلسطينية، ومع منظمات المجتمع المدني، بدأت هي أيضا ترضخ لضغوط صهيونية، بهدف تقليص الدعم للشعب الفلسطيني في جوانب عدة. وقد يكون هذا مقدمة أيضا لتراجعات على المستوى السياسي.
ويضاف الى هذا، استمرار تعزيز العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية التركية، المرشحة لتسجيل ذروة جديدة في مستوى التبادل الاقتصادي، وفق ما يؤكده الجانبان. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة، تبادل زيارات لوفود اقتصادية كبيرة، لبحث سبل تعميق التبادل الاقتصادي، خصوصا أنه وفق تقارير رسمية صادرة عن الأتراك والإسرائيليين، فإن الذروة الاقتصادية تم تسجيلها أكثر من مرة، في السنوات الثماني الأخيرة.
قد نعدد الكثير من الأسباب والعوامل الخارجية، التي تساعد الكيان الصهيوني في تمدد علاقاته الخارجية، وخاصة مساندة الإدارة الأميركية "الأكثر صهيونية"، وفق التعريف الذي أطلقه ساسة إسرائيليون في الآونة الأخيرة. ويضاف الى هذا بقدر كبير، الوضع الاقليمي، وتبقى هذه عوامل خارج السيطرة الفلسطينية. ولذا، يجب الاهتمام بالعوامل الفلسطينية الذاتية التي تساهم في هذا الوضع، الذي يجب أن يكون مقلقا للشعب الفلسطيني وقيادته.
والعامل الذاتي الأول، الذي يساهم في تردي مكانة القضية الفلسطينية في الرأي العام العالمي، ويساعد اللوبي الصهيوني في ضغطه على حكومات العالم، هو الحالة الفلسطينية وحالة الانقسام، التي كما يبدو ستدخل إلى حالة أشد خطورة، وتصبح قضية شرذمة، تتعدد فيها الأقطاب المتصارعة.
وهذا الوضع المتردي ينعكس مباشرة على غياب المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، للاحتلال وجرائمه، فما شهدناه في السنوات الأخيرة، كانت فورات لم تعمر طويلا. ولن نوهم أنفسنا، بأنه بالإمكان اندلاع مقاومة شعبية جماهيرية، في ظل حالة التشرذم، والصراع السياسي الداخلي القائم. وما من شك، أن تردي الحالة الفلسطينية الداخلية، وغياب المقاومة الشعبية، سيغيّب بالضرورة، حركة التضامن العالمية مع القضية الفلسطينية، التي كان لها دور في الضغط على العديد من حكومات الدول.
ويبقى التفاؤل هو سيد الموقف، فطالما أن الشعب مصرٌ على التحرر، ويحافظ على هيئاته الوطنية ومنظماته السياسية، فلا بد أن تأتي مرحلة تقلب المعادلات السوداوية القائمة، والاحتلال يعرف هذا تماما، وهو يسعى طيلة الوقت الى تأجيل مصيره الحتمي: الزوال.