امتحان التوجيهي الظالم

نضال منصور أعلن ما يُقارب 50 ٪من الأردنيين والأردنيات أن امتحان التوجيهي ليس عادلا، ولا يُشكل تقييما تربويا، وأكاديميا منصفا. هذه النتيجة التي توصل لها استطلاع الرأي الذي أنجزه مركز الدراسات الإستراتيجية ليست مفاجأة، وهي تُعيد إنتاج المطالبات التي امتدت لسنوات بتغيير جذري في امتحان الثانوية العامة، وكل نظام التوجيهي في البلاد. طوال عقود كان هناك جدل محتدم حول ضرورة تطوير أدواتنا التعليمية، والتربوية، وفي مقدمتها امتحان التوجيهي، الذي بات يُثير حالة من الرعب، ويتسبب في حالة إحباط، واستبعاد لآلاف الطلبة الذين لم يحصدوا درجات في الامتحان تتوافق مع قدراتهم، ومعارفهم. استطلاع الرأي الذي نشر مؤخرا أفاد أن 47 ٪من الأردنيين الذين تقدم أبناؤهم لامتحان الثانوية العامة وصفوا مرحلة التوجيهي بالتوتر، والضغط النفسي، وأنها أشبه بحالة الطوارئ في المنزل، وذهب 42 ٪من طلبة التوجيهي لوصف تجربتهم بالمتعبة، والمرهقة. في حوار مع وزير التربية والتعليم العالي د. وجيه عويس في المنتدى الإعلامي قبل أشهر، أكد الحاجة للتغيير، وبضرورة وجود نظام عادل لقياس مهارات ومعارف الطلبة، وأن هناك مراجعات جادة لبناء تصور جديد، وعلى الوزير أن يمتلك الشجاعة حتى لو كان القرار إلغاء التوجيهي، فالعالم غادر المنظومة التي تربط مستقبل الشباب، والشابات بامتحان، وبنى منهجا يُنمّي، ويستكشف إبداعاتهم، وميولهم، ويدعمها لتكون مساره في التعليم الأكاديمي، أو التقني، أو المهني، وبالتأكيد ليس ما هو معمول به الآن، ولذلك فإن الخلاصة، والاستنتاج الذي توصل له الاستطلاع أن 47 ٪من الأردنيين لا يعتقدون أن مستقبل الأجيال يجب أن يعتمد على نتائج امتحان التوجيهي فقط، وأنه لا بد من إعادة النظر بالامتحان بشكل كامل، وليس غريبا أن 36 ٪من الأردنيين، و41 ٪من الطلبة والطالبات يطالبون بإلغاء امتحان التوجيهي. استطلاع الرأي فيه تفاصيل كثيرة تستحق أن تُقرأ بعناية، وأن تراجعها الحكومة، وأصحاب القرار باهتمام، وتحاول أن تستخلص منها الدروس المستفادة حتى تحاول تصحيح المسار. من الأرقام التي يجب أن يُسلط الضوء عليها أن 78 ٪من طلبة التوجيهي لجأوا إلى أخذ دروس خصوصية، وهذا الرقم مُفزع، ومقلق، فهذه الظاهرة لم تكن معروفة سابقا قبل عقدين من الزمن، وكنا نتندر على الدول التي تنتشر بها، واليوم ومنذ سنوات أصبحت الحالة السائدة، والأقلية التي لا تلجأ لها، وهذا يعني أن هناك مشكلة في التعليم، أو نظام الامتحانات، واللجوء للدروس الخصوصية وسيلة من أجل ضمان إجابات ترفع المعدلات حتى يكون للطلبة فرصة للمنافسة في قبول الجامعات، وهذا الأمر بحد ذاته مشكلة، فنحن مثلا نقبل لدراسة الطب أعلى المعدلات، وليس من يملك المعارف والمهارات ليبدع في هذا المجال، وهذا ينطبق أيضا على من يُقبل لدراسة الصحافة والإعلام، فهناك معدل يجب أن يحرزه، مع أنه تخصص يحتاج إلى مهارات قبل، وأهم بكثير من المعدل ولو كان 99 ٪. على كل حال المأزق مستمر، وينتقل من المدرسة إلى الجامعة، ومن امتحان التوجيهي إلى نظام القبول الذي يصفه 47 ٪من الطلبة الذين شاركوا في الاستطلاع بأنه ظالم، وغير عادل، وهذه حكاية أخرى تعمقت منذ أن أصبح التعليم تجارة في بلادنا، ومنذ أن أصبحت الاستثناءات تتقدم، وتأخذ حصة وازنة من القبول بالجامعات، ومنذ أن أصبح التعليم الموازي، والتعليم الدولي الحل لإنقاذ الجامعات الرسمية من الإفلاس. لم يكن التعليم الموازي خيارا فيما مضى في جامعاتنا، وكان التنافس أكثر عدالة، ولم نكن قد غرقنا في نظام المكرمات، والمنح، وكنا دولة تميل إلى حماية الحق في التعليم العالي العمومي للجميع، وكانت الرسوم الجامعية رمزية، ومخفضة، قبل أن يصبح الواقع غير ذلك، والتعليم الجامعي متاح أكثر لمن يملك المال، وصعب على الطبقات الهشة التي تعاني ظروفا اقتصادية قاسية، لا تمكنها دفع كلف التعليم المرتفع باطراد في الجامعات. أزمة التعليم تتسع، وتتعمق، وتأخذ اتجاهات متعددة، ورغم كل ما يعرفه الأهل والطلبة عن البطالة في صفوف الخريجين في الكثير من التخصصات، ولم يسلم منها أطباء، ومهندسون، وصيادلة، أو أي تخصص آخر، فإن العديد من العائلات لا تُصغي للإرشادات، والنصائح، ولا تهتم بالكلام عن التخصصات المشبعة، والمغلقة في السوق، ويسوقون أولادهم، وبناتهم طوعا، أو جبرا إلى مجتمع العاطلين عن العمل منذ الآن. التعليم التقني، والفني التجاوب معه الآن أفضل، ولذلك أسمع من يناقش بأهمية دراسة تخصص الأمن السيبراني، أو الذكاء الصناعي، والطاقة المتجددة، وكل هذا جيد، ولكن الأهم أن يتوجه الناس لاكتساب مهارات الحرف “صنايعية”، فهؤلاء يحتاجهم السوق فورا، ويوجد نقص هائل في عمالة مدربة، محترفة، فنحن نشكو ليل نهار أننا نحتاج معلم أدوات صحية “مواسرجي”، أو “حداد”، وكذلك كهربائي سيارات، ويا ريت متخصص في سيارات الكهرباء، وما زلنا نتذكر بحسرة حين كانت معاهد “البولتكنيك” ترفد الأردن بأفضل “الصنايعية.” الأزمة واضحة في التعليم غير الكفؤ الذي لا يُنتج مبدعين، والكثير من الحلول التي قُدمت على مر السنوات لم تكن منتجة، وراكمت تحديات، ومشكلات، وكل يوم نتأخر في التصدي لهذه الكارثة ندفع الثمن غاليا جدا. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان