انتبه.. أمامك مطب!

جملة تحذيرية لها معان ودلالات كثيرة هذه الأيام؛ فتارة تكتب على شواخص الطرق للفت انتباه السائق إلى وجود منحدرات على الشارع، بهدف إرغامه على تخفيف السرعة في المناطق التي وضعت فيها، عند أبواب المدارس والمستشفيات ونقاط عبور المشاة، وتارة يستخدمها البعض للتعبير عن التعقيدات المفتعلة التي يواجهها متلقو الخدمات من بعض المؤسسات التي وجدت لخدمتهم. وأحيانا أخرى تُستخدم للدلالة على العقبات والعوائق التي قد تواجه المستثمرين؛ أكانوا أردنيين أو عربا.اضافة اعلان
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت المطبات نادرة، وكان السواقون أكثر التزاما بقواعد المرور والسرعات المحددة على الطرقات. وكانت مطالب الناس موجهة إلى تحسين الطرق وتوسيعها، وليس وضع المطبات.
في الأردن، تقدر أطوال الطرق الخارجية والشوارع التي تصل بين المراكز والتجمعات السكانية في المحافظات وداخل البلديات والقرى، بحوالي 16 ألف كيلومتر، منها 8 آلاف في العاصمة عمان. وفي كل شارع وحي، في معظم أرجاء البلاد، تنتشر المطبات وتعلو الشوارع التي تم فتحها وتجهيزها لتيسير المرور عليها. وبعض المطبات يشبه سنام الجمل في حدته وارتفاعه، وبعضها الآخر صمم ليكون مثل ظهر "الحربا"، فيما القليل منها يطابق المواصفات العالمية.
المبالغة في انتشار المطبات ظاهرة تسترعي انتباه المارة والسواقين والزوار على حد سواء. ووجودها على طرق خارجية، وبكثافة تتجاوز حدود المعقول، أمر لا يمكن تفسيره. فالمطبات تغطي شوارع عمان الشرقية والغربية، والسلط والزرقاء؛ وهي في عجلون كما في الكرك، وكل مكان. الفرق أن مطبات عمان الغربية مطابقة للمواصفات العالمية، بعكس المطبات الواقعة ضمن حدود بلدية بيرين في محافظة الزرقاء. وفي الطريق الواصلة بين أم رمانة وبيرين أكثر من 20 مطبا، المسافة بينها أقل من 50 مترا!
بعض المطبات يدخل السائق في أزمة وهو يبحث عن طريق التفافية؛ فما يواجهه هو عائق يحول دون المرور أكثر من كونه تنبيها لكسر السرعة. وأشك أن تكون للمطبات، عموماً، فلسفة وأسس ومواصفات؛ فالعوائق الموجودة تولد الكثير من الإحباط، وتؤثر على مزاج السواقين وموازناتهم. وأعتقد أن نسبة تعطل السيارات المستخدمة للطرق المزروعة بالعوائق والعقبات، تفوق عشرات المرات الطرق الخالية منها؛ وأن مزاج السواقين الذين يعبرون المطبات وأيديهم على قلوبهم، أسوأ بكثير من مزاج نظرائهم في البلدان التي تخلو شوارعها من هذه البدعة الأردنية الخارقة.
في الأردن، استسهل قائمون على المرور وإدارة الطرق والبلديات والنقل، إيجاد وسائل توعوية وتوجيهية، وآليات للضبط، فتوسعوا في زراعة المطبات في كل مكان.
والمطبات الإسفلتية والإسمنتية على شوارعنا ليست الوحيدة؛ فهناك مطبات نواجهها عند كل حركة وفي كل اتجاه، بالرغم من الحكومة الإلكترونية التي مضى على التبشير بوجود خدماتها سنوات. فقد تراجع مؤسسة لطلب خدمة وتحيلك إلى أخرى للحصول على إثبات، مع وجود نظام حوسبة يحتوي كل البيانات. فمثلاً، قد تذهب إلى دائرة الأراضي لتثبيت الرقم الوطني، فيخبرك المسؤول أن عليك الذهاب إلى مديرية أخرى لاستصدار سند التسجيل، ثم العودة إلى الإدارة العامة لاستكمال الإجراءات. الطريقة التي تدار بها مؤسساتنا طريقة عثمانية؛ فقد مر على إحدى المعاملات التي أتابعها قرابة السنة، وهي تتحرك بين دوائر الحكومة؛ مرة للكشف الحسي، ومرة للتأكد من الإحداثيات، ومرة لغياب المساح المسؤول، ومرة "اتركلي إياها أسبوعين"!
الشكوى من تعثر الاستثمار تحتاج إلى معالجة جادة، تتجاوز الحديث المنمق والإجراءات الشكلية. فغالبية المستثمرين المحتملين تعلموا ممن سبقوهم بأنهم واجهوا "مطبات"، ورفعوا لهم شاخصة تحذيرية تقول "انتبه أمامك مطب".
نتمنى أن تتحول طرق المرور، ومنافذ الخدمة، وطرق الاستثمار، إلى طرق سالكة، بدلا من كونها سالكة بحذر أو غير سالكة كما هي اليوم. ويقتضي ذلك إزالة العوائق، ومن وضعها، وكل المستفيدين من وجودها.