انتخابات الرئاسة التونسية: وعود انتخابية تحيي الجدل حول صلاحيات الرئيس

عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة
عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة
يتعهد مرشح بالتصدي للفقر والتهميش، فيما يعد آخر بتحسين الاقتصاد، بل ويذهب ثالث إلى التلويح بأنه لو وصل إلى قصر قرطاج فإنه سيلغي جملة من قوانين يرى فيها مسّا بالحريات الفردية. لم تحد حملة الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس والمقررة في 15 سبتمبر/ أيلول الحالي من فرش الطريق بالنوايا الحسنة. لكنّ دستور تونس لعام ٢٠١٤ حدّ من صلاحيات رئيس الدولة أو جعل من تحرّكه، في أحسن الأحوال، مشروطاً بحصوله على دعم واسع داخل البرلمان. في مدينة طبربة، غربي تونس العاصمة، أدارت مجموعة من الشبان ظهرها لأول مناظرات تلفزيونية تشهدها البلاد بين مرشحي الانتخابات الرئاسية المبكرة. وقال أحد الشبان لبي بي سي إنه "لا يكترث للمناظرات بالنظر للوعود الانتخابية التي يقدمها معظم المرشحين بعيداً عن الصلاحيات التي حددها الدستور للرئيس". وينص الدستور التونسي على أنّ مهامّ رئيس الدولة تتلخّص في ضبطه السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي، بعد استشارة رئيس الحكومة. ويقول الباحث في العلوم السياسية، حاتم شقرون، لبي بي سي إن "السياسيين لهم دراية بالصلاحيات لكن الإشكال يتمثل في المفاهيم"، ضاربا بمثال الأمن القومي، إذ تعمد معظم المرشحين، حسب شقرون، توسيع المفهوم ليشمل كل المجالات بهدف تقديم أكبر قدر ممكن من الوعود. ويقود رئيس الدولة مجلس الأمن القومي كما يتيح له الدستور ترؤس المجالس الوزارية ومخاطبة البرلمان، إضافة إلى حلّ الحكومة. شرط الدعم البرلماني لكنّ الكاتب السياسي، وليد حدوق، يرى أن القول بأن المرشحين وعدوا بما لا يملكون لا يكتسي وجاهته من ضيق نطاق الصلاحيات فحسب، إذ قد يتحجج البعض، حسب رأيه، بأن الصلاحيات ممارسة قبل أن تكون نصوصاً قانونية. ويضيف في حديث لبي بي سي، إن الأمر يتعلق بكل الصلاحيات الممكنة، أي برئيس ورئيس حكومة متوافقين وينتميان للحزب ذاته، على التحرك أو تحقيق أي مكسب ممكن. ولفت حاتم شقرون، إلى أن أغلب المرشحين ركزوا على إمكانية أن يقدم رئيس الدولة مبادرات تشريعية وهي صلاحية يتيحها له الدستور. لكنّه استدرك قائلاً إن المرشحين يوهمون الرأي العام بأن تلك الصلاحية تمنحهم "أداة مباشرة للتشريع"، منبها إلى أن "الأمر يتطلب أن يكون للرئيس أغلبية تدعمه في مجلس النواب". تغيير طبيعة نظام الحكم واندفع عدد من المرشحين إلى التعهد بإزالة ما يصفونها بالعراقيل أمام رئيس الدولة لممارسة لسلطاته، في إشارة إلى صلاحياته المحدودة، متعهدين باللجوء إلى تغيير طبيعة نظام الحكم عبر تعديل الدستور. وذاك ماراثون قانوني آخر تدعو قوى سياسية ومدنية إلى خوضه. وعرفت تونس منذ الإطاحة بالرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، عام ٢٠١١، ثمان حكومات. وعزا كثيرون حالة عدم الاستقرار السياسي إلى نظام الحكم الهجين الذي يوزع الصلاحيات بين رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان. بيد أنّ صوتا آخر يعتبر أن هذا النظام أنقذ البلاد، إلى حدّ الآن على الأقلّ، من تغوّل طرف على آخر. ويذهب حاتم شقرون إلى حدّ اعتبار أنّ هناك ميلا لما يصفه بالنظام الرئاسوي، وليس الرئاسي، أي أن "أن تكون سلطة الفرد مطلقة"، وذلك نتاج لوعي جمعي تأسس في تونس وتراكم عبر التاريخ، على حدّ قوله. ويرى وليد حدوق، أن دور الدولة قد بلغ أقصاه بشكل "يجعلنا نتساءل إن كان ثمة من وعد قابل للتحقيق عدا الانسحاب المنظم للدولة، قبل إعادة ترتيب انتشار أذرعها ومواردها فيما هو أساسي وسيادي". الكلمة الفصل والسيناريو الوحيد الذي قد يسمح بشكل آلي بتوسيع هامش تحرك الرئيس، حتى خارج صلاحياته التي حددها الدستور، هو أن يضع الرئيس يده على أذرع السلطة الثلاث، أي الحكومة والبرلمان إلى جانب رئاسة الدولة. لكنّ حاتم شقرون يذكر بأن النظام السياسي التونسي شبه برلماني، في حين أن الوضع الحالي قد لا يسمح بالحصول على أغلبية سياسية. وكان الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، قد بنى حملته، في انتخابات الرئاسة لعام ٢٠١٤، على أساس خصومة سياسية مع حركة النهضة. لكنّ نتائج الانتخابات البرلمانية دفعت به إلى الدخول معها في ائتلاف حاكم. وفاز حزب قايد السبسي حينها بالانتخابات التشريعية بـ٨٦ مقعدا من أصل ٢١٧ مقعدا، فيما حلّت النهضة ثانية بـ٦٩ مقعدا. ونجح قايد السبسي حينها في تمرير مبادرة تشريعية مثيرة للجدل تقضي بالعفو عن مسؤولين متهمين بالفساد المالي وإهدار المال العام إبان حكم الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، "شريطة تعرضهم لضغوط". لكن، بمجرّد انشطار حزب نداء تونس وفكّ الارتباط بحركة النهضة، في صيف عام ٢٠١٨، تحوّل الرئيس إلى معارض للحكومة ودخل في عزلة سياسية.-(BBC)اضافة اعلان