انتخابات المهندسين جمعة مشمشية

خسارة الإخوان في نقابة المهندسين لا تعكس حقيقة الانتماءات الحزبية والسياسية للمهندسين المشكلين للهيئة العامة للنقابة، فعدد المهندسين "الإخوان" ومن يواليهم، يفوق بكثير عدد خصومهم من الانتماءات الحزبية والأيديولوجية المنافسة، وقد دفع هذا بعض المراقبين للقول: إن الإخوان اتخذوا قراراً بالهزيمة حتى يبتعدوا عن النقابة في ضوء تداول أخبار عن إفلاس صندوق التقاعد وتردي الوضع الاقتصادي العام الذي عمَّق مشكلة البطالة في صفوف المهندسين.اضافة اعلان
عدد المهندسين المشاركين في الانتخابات الأخيرة، يشكل ما نسبته 25 % من عدد المهندسين المسددين لاشتراكاتهم، ولكنه لا يزيد على 10 % من أعضاء الهيئة العامة كاملة؛ حيث يبلغ عدد المهندسين المسجلين في النقابة، حسب مصادر نقابية، حوالي مائة وخمسين ألف مهندس، ما يعكس حقيقة عزوف المهندسين عموماً عن النقابة، وعن المشاركة في انتخاباتها، وهذا أمر لا يقتصر على نقابة المهندسين، بل إنه أمر شائع في جميع النقابات المهنية.
إن فوز قائمة "نمو" "غير الإخوانية"، قطع احتكار الإخوان لقيادة واحدة من أهم نقابات الأردن، وهذا حدث في ذاته مهم، فهو وإن كان يعكس تراجعاً عاماً للإخوان في الأردن والعالم العربي، إلا أن هذا لا يغير من حقيقة انتشار فكر الإخوان وأتباعهم شعبياً، ومن حقيقة تغلغلهم بين المواطنين على نطاق واسع جغرافياً وطبقياً.
يصف البعض، أن الفوز المتواصل للإخوان في نقابة المهندسين جعلهم يركنون الى "خزان انتخابي محدد"، وكأن فوزهم التقليدي كان نتيجة كسل الفريق المنافس، فعندما اعتمدت "قائمة نمو" على عنصر الشباب وحركت قليلا الأغلبية الصامتة، التي تشير المصادر النقابية أيضا إلى أن أغلبهم ليس لديه أي انتماءات حزبية أو إيديولوجية بالمعنى التقليدي، استطاعت أن تقصي الإخوان عن قيادة النقابة، وحريٌّ بالفصيل المنافس أن يحرص على استيعاب المهندسين من كل الأطياف وخاصة الشباب منهم، فلا يجوز أن نمارس ما ننتقده من سياسة الإقصاء، وأعتقد أن النقيب الجديد هو من دعاة نهج الاحتواء والاستيعاب لجميع أطياف المهندسين.
احتكار السلطة وعدم تداولها بين المنافسين يشكلان بيئة خصبة لتطور الفكر الشمولي الإقصائي، والحقيقة أن التعليق الأبرز على نتائج انتخابات النقابة من جهة الإخوان -كما جاء على لسان السيد محفوظ- عكس فكراً شمولياً إقصائياً؛ حيث اعتبر أن هزيمة الإخوان مؤامرة عليهم، وكنت أتوقع تحليلاً موضوعياً لأسباب خسارة الإخوان وتجربتهم بالنقابة، ولكن هذا ليس غريباً، فإن احتكار السلطة من أي فريق يؤدي بالضرورة لنرجسية سياسية تجمد العقلين السياسي والإنساني، والمغالبة تنتهي لغلبة الفريق المغالب ودحره وزواله، ولنا في الحكمين الأموي والعباسي شواهد، لعلنا نستفيد منها أنظمة حكم ومؤسسات شعبية وكذلك أفرادا. الديمقراطية ليست صندوقاً فقط ولا عقلاً ديمقراطياً فقط بل هي أيضا ممارسة تحرص على تداول السلطة باعتباره أهم ضمان لعدم تحول العملية الديمقراطية لحصان طروادة للسلوك الشمولي الدكتاتوري، وبالمقابل هنالك من ركب موجة فوز المهندسين مشكلا حالة مناكفة سياسية كشفت عن فقر مدقع في فضاء العمل السياسي في الأردن.
الحقيقة أن سؤال انتخابات نقابة المهندسين، ليس لماذا فازت "نمو"؟ -على أهمية التساؤل- بل كيف استطاع الإخوان احتكار قيادة هذه النقابة لأكثر من ربع قرن؟، ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن الإخوان سيطروا أيضا على مجالس الطلبة للكليات العلمية في الجامعات، وخاصة الطب والهندسة، وهذا بدوره رفد النقابات، وعلى رأسها نقابة المهندسين، بأعضاء ملتزمين عقائدياً منظمين هيكلياً نشيطين نقابياً. وعلاقة المهندسين خصوصا والكليات العلمية عموما بالإخوان المسلمين، هي سؤال برسم الإجابة، خاصة وأن منهم من ما يزال يروج لفكر السيد زغلول النجار و"هرطقاته العلمية".
فوز "نمو" يجب أن يستثمر بطرح سلوك جديد قائم على برنامج شامل لخدمة المهندسين بأطيافهم كافة، برنامج يعالج مشاكل مستعصية أهمها تدفق أعداد كبيرة من المهندسين تفوق حاجة البلد وطاقتها، مشاكل تتعلق بممارسة المهنة نوعيا وبتحديات البطالة وصندوق التقاعد، وفي تصوري ما لم يتحول نجاح "نمو" لبرنامج نوعي، فإن الانتخابات الأخيرة قد تكون جمعة مشمشية.