انتخابات عراقية ناجحة لكنها ليست ولادة الديمقراطية

    قيّمت الانتخابات العراقية على انها ناجحة لسببين: درجة المنافسة التي شهدتها الانتخابات ودرجة المشاركة من قبل المؤهلين للانتخاب. هذان المتغيران الاكثر استخداما لتقييم انتخابات ما، حققا مستويات عالية من خلال العدد الكبير من القوائم والاحزاب السياسية العراقية التي خاضت غمار الانتخابات باستثناء جزء من القوى السياسية السنية، اضافة للنسبة العالية من العراقيين التي شاركت في الانتخابات عن طريق الاقتراع السري المباشر. ضمن هذا السياق وبالمقارنة مع الانتخابات الفلسطينية، نرى أن الانتخابات العراقية كانت انجح نسبيا من تلك الفلسطينية بمعدلات المنافسة والمشاركة ولكن القول ان نجاح هذه الانتخابات هو ولادة للديمقراطية العراقية فهو تقييم ينطوي على درجة عالية من المبالغة والاسلم اعتبارها خطوة على الطريق الصحيح.

اضافة اعلان


     ننظر بايجابية لهذه الانتخابات لانها اعتمدت اسلوب التمثيل النسبي والذي به تحصل الاحزاب والقوائم على عدد مقاعد في البرلمان متناسب مع نسبة الاصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات وبذلك تكون كافة القوى السياسية ممثلة في الجهاز التشريعي والذي سيصيغ الدستور بصرف النظر عن حجمها.
    البرلمان العراقي يبدو ذا طيف اسلامي في معظمه مع وجود قوى علمانية هامة وهذا يثبت فشل النظام السابق في علمنة العراق.


    مؤشرات النجاح المستقبلي للعملية الانتخابية والسياسية في العراق يمكن ان تراقب ضمن ثلاثة محاور: اولها قدرة الاحزاب والقوائم الانتخابية على الاستمرار والحفاظ على نفسها لا ان تتفكك وتكون قوائم لغايات انتخابية محضة وليست تعبيرا عن نبض سياسي ما. المحور الثاني هو استتباب الامن والذي بحدوثه تكون الجماعات والافراد التي استخدمت زعزعة الامن كوسيلة لتحقيق اجندتها السياسية قد وجدت متنفسا سياسيا للتعبير عن برامجها وهذه الجماعات تختلف بالتأكيد عن الجماعات الارهابية التي يغدو من المستحيل تأطيرها سياسيا.


   ان بناء جيش وقوات أمن عراقية عنصر هام في تحقيق الامن والامان للعراقيين ولكنه امر يعالج عوارض المشكلة وانعكاساتها وليس جوهرها. وعلاج الجوهر انما يتم بعملية التأطير السياسي التي من شأنها تفريغ الشحنات السياسية للجماعات المسلحة. اما ثالث هذه المحاور فسيكون نوعية الدستور الذي سيصار الى صياغته. والتحدي هنا هو الخروج بدستور ديمقراطي متوازن في ظل تيارات دينية لها الغلبة على الساحة البرلمانية.


    ان الدستور الذي سينظم العمل السياسي العراقي في المستقبل هو الوثيقة الاهم والتي يجب ان تضمن الثوابت العراقية والثي يبدو اهمها اعطاء ثقل وتمثيل سياسي لكافة طوائف واعراق العراق.


    فيما يختص بتشكيلة الحكومة العراقية المتوقعة فمن الارجح ان الاسلاميين وخاصة قائمة السيستاني الشيعية سيعزفون عن ان يكونوا جزءا منها وذلك لطبيعة العمل الذي ستضطر هذه الحكومة للقيام به مثل التنسيق مع قوات الاحتلال حول المسائل الامنية الامر الذي لا يتناسب مع توجهاتهم الايديولوجية. الحكومة العراقية على الارجح ستكون علمانية ولكن مهمتها ستكون غاية في التعقيد لانها منبثقة عن برلمان الطيف الاعظم له وهو الطيف الاسلامي. ان الحكومة الائتلافية العراقية المتوقعة ستنعكس في تشكيلتها على التوزيعة السياسية لثنايا المجتمع العراقي ويتوقع ان تقترب المواقف السياسية ومن المحتمل ان تندمج القوى والاحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي.


   تجدر الاشارة الى شجاعة المواطن العراقي الذي تحدى الارهاب وذهب ليبني بلده عن طريق ادلائه بصوته. نقول( ارهاب) لانه لا يمكن لاي منصف ان يصف تفجير مقر تصويت مقاومة للاحتلال! ولا يمكن لاي منصف الا ان يقتنع ان اكبر خطر يهدد مستقبل العراق يأتي من هذه العقلية ومن اولئك الذين يهددون من صوتوا بالموت.