انتخابات لا ديمقراطية

 قلة من الدول العربية لا تشهد انتخابات برلمانية أو بلدية. في السنوات الأخيرة تقدمت دول خليجية خطوات في هذا الميدان وبدأت بتنظيم انتخابات محلية، وإشراك المرأة. لم يشذ عن هذا التقليد حتى الأنظمة الاستبدادية التي طالما كانت تنظم انتخابات تشريعية واستفتاءات رئاسية.اضافة اعلان
هذه الأيام تشهد مصر انتخابات رئاسية، وينشغل لبنان في التحضير لانتخابات برلمانية طال انتظارها، ومن بعدها انتخابات في العراق.
طالما اعتبرت الانتخابات وصناديق الاقتراع التجسيد الحي للديمقراطية كأسلوب حكم. هكذا أفادتنا تجربة الأمم العريقة، لكن في العالم العربي فإن الانتخابات لا تعني الديمقراطية أبدا. إنها مسار مستقل لذاته نتائجه محكومة سلفا بمحددات الواقع وتوازناته الاجتماعية.
في العراق على سبيل المثال لا يشكل الحكومة بعد الانتخابات إلا سياسي من الطائفة الشيعية، ولايصل لكرسي رئاسة البرلمان إلا نائب سني، أما الرئاسة فهي حصرا لشخصية كردية. ذلك منصوص عليه في الدستور ولا تغيره نتائج الانتخابات مهما حملت من مفاجآت.
لبنان اعتمد في هذه الانتخابات نظام التمثيل النسبي، لكنه نظام مصمم لحفظ التوازن الطائفي في تركيبة البرلمان. حصة الطوائف من المقاعد لن تتغير. المعركة الانتخابية في لبنان هي بين أبناء الطائفة الواحدة وزعاماتها. أما تشكيلة الطبقة العليا من الحكم فهي خاضعة لنظام صارم تتوزع فيه المناصب الرئيسية الثلاثة بين المكونات الرئيسية للمجتمع اللبناني لاتربطها أية صلة بالعملية الانتخابية الجارية ونتائجها.
في الديمقراطيات تحمل صناديق الاقتراع حزبا جديدا للسلطة وزعيما لا يرتبط تنصيبه بأصله أو فصله. ببساطة صندوق الاقتراع يبعث به لموقع الرئيس ولفترة زمنية محددة.
الممارسة التاريخية الطويلة لعملية الانتخاب والمشاركة السياسية، مكّنت المجتمعات المتحضرة من تخطي الهويات الفرعية دينية كانت أو عرقية، وتكريس المواطنة كأساس للمنافسة السياسية.
لم يحصل هذا بقرار سياسي أو إرادة عليا، بل كان نتاج تحولات اجتماعية وسياسية طويلة المدى أخذت عقودا من الزمن، وتخللتها اخفاقات وانتكاسات وحروب أهلية انتهت بتسويات صبت في مجملها لصالح الديمقراطية.
في عالمنا العربي وباستثناءات محدودة، ستبقى الانتخابات هي المظهر الوحيد للديمقراطية، ولن نبلغ المستوى الذي وصلته البلدان المتقدمة بالسرعة التي يتخيلها البعض. في دول مثل لبنان والعراق وسورية حيث الفسيفساء الإثنية والطائفية المعقدة لن نحظى في القريب العاجل بديمقراطية قائمة على مبدأ المواطنة، قبل أن تتحلل تلك الهويات وانصهارها في بوتقة اجتماعية واحدة.
والأمر لا يختلف في الدول المنسجمة بتركيبتها الاجتماعية كمصر مثلا التي انتقلت من الحكم الملكي إلى حكم العسكر وعاشت في كنفه أكثر من خمسين عاما لن يكون بمقدورها أن تخط مسارا ديمقراطيا بالمستوى المأمول قبل أن تتفكك بنى الدولة العميقة. وتلك مسألة غاية في الأهمية لكل الدول العربية الطامحة بالانتقال للديمقراطية، لأنها جميعا اخفقت في مراحلها الانتقالية بترسيم العلاقة بين المؤسسات الديمقراطية الناشئة حديثا وبنى الدولة العميقة المتأصلة. فكانت النتيجة علاقة قائمة على الشك والريبة غالبا ما تنتهي بسحق مؤسسات الديمقراطية الطرية، أو احتوائها من قبل الدولة العميقة وتحويلها لديكور لأنظمة الحكم.
بين الانتخابات والديمقراطية مسافة طويلة من الزمن لم نقطع منها في العالم العربي سوى أمتار قليلة.