انتخابات لم تصلها الموجة الشعبوية

الموجة الشعبوية لن تدخل بريطانيا وفي الانتخابات التي جرت امس لم يظهر اي تكتل جديد خارج الخريطة الحزبية التقليدية حيث يتنافس الحزبان الرئيسان "العمال والمحافظون" على الاغلبية وبينهما في الوسط حزب ثالث اصغر هو الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يحتاج لشراكته احد الحزبين ان لم يحقق اغلبية كافية لتشكيل الحكومة. اضافة اعلان
الشعبوية المعادية للسياسة وللاحزاب التقليدية تمظهرت فقط في موضوعات وحملات مساندة تفرض نفسها على الساحة مثل الحركة المناهضة للاتحاد الاوروبي والتي فرضت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي وحصلت على اغلبية رغم انف الاحزاب لكنها لم تتحول الى حزب سياسي. حزب العمال اوروبي النزعة صوتت اغلبية قاعدته لصالح الخروج فلم يعد الحزب يتبنى البقاء وموقفه الرسمي الآن الخروج باتفاق يحفظ مصالح بريطانيا ويتعهد الحزب بعرضه لاستفتاء عام وهو ما يعتبره المتحمسون للخروج تنصلا من نتائج الاستفتاء الاول بطرح الاستفتاء من جديد.
البريكست او الخروج من الاتحاد الاوروبي هو بالطبع موضوع الانتخابات الرئيس وهو موضوع الازمة السياسية الطاحنة التي اطاحت برئيسين سابقين هما ديفيد كاميرون الذي داهمته نتيجة الاستفتاء وتريزا ماي التي عجزت عن توحيد الحزب على الخروج باتفاق فشلت الحكومة في التفاهم عليه مع بريطانيا فجاء بوريس جونسون الذي يشبهه البعض بدونالد ترامب ويريد من الانتخابات ان تعطيه تفويضا بالخروج دون اتفاق، وهو ما يرى فيه العمال رعونة تعرض مصالح بريطانيا للخطر.
لكن هذا ليس الميدان المفضل لحملة العمال الانتخابية بل نقطة ضعفهم، وحتى المواضيع الدولية عموما ليست نقطة قوة زعيم الحزب كوربن فهو متهم بميول اوروبية وعالم ثالثية اكثر يسارية مما يجب ومنها موقفه من القضية الفلسطينية حين كان يخطب بتظاهرات يسارية معادية لإسرائيل وبقي وفيا لتاريخه اذ أدخل في برنامج الحزب نصا واضحا يقرر الاعتراف بالدولة الفلسطينية من حكومته حال تشكيلها. وهو حاول طوال الحملة جر النقاش الى مواضيع محلية اقتصادية وحياتية هي نقطة قوته في مواجهة المحافظين اذ يتبنى برنامجا اشتراكيا تقريبا يريد اعادة معظم البنية التحتية للقطاع العام كالصحة والتعليم والنقل ويقترح زيادات عالية لضريبة الدخل على اعلى 5 % دخلا من السكان لتغطية كلف الرعاية الصحية الشاملة والتأمين الاجتماعي.
في الواقع ان الخط المعتدل لحزب العمال لم يكن يحتمل طرحا كهذا وما كان كوربن الا اقلية داخل حزب مأزوم لكنه عقد حلفا ناجحا مع حركة شبابية يسارية ادخلت للحزب 300 الف عضو جديد صنعت له اغلبية مكنته من البقاء على رأس الحزب حتى بعد محاولتين لتصويت بإطاحته. وهي قد تعطيه في الانتخابات قوة دفع كافية لردم الهوة مع المحافظين كما أشار آخر استطلاعات للرأي.
خلال اليومين الماضيين كنا في بريطانيا بناء على دعوة من حزب العمال لمتابعة الانتخابات وزرنا بعض الدوائر والتقينا بعض المرشحين. في الشوارع ليس هناك مظاهر انتخابات لا ملصقات ولا يافطات ولا شعارات لكن في مقر الحزب في دائرة في شمال نوتنغهام حيث قضينا نصف نهار تجري الانتخابات بالطريقة التقليدية اليدوية .. كشوف انتخابية وقوائم طويلة بأسماء اعضاء الحزب المتطوعين واكياس مطبوع عليها شعار الحملة "نعمل لخدمة الاغلبية وليس الاقلية" مليئة بالأوراق والبرشورات يأتي المتطوع فيأخذ كيسه وخريطة منطقة توزيعه ويشطب اسمه من اللائحة. متقاعدون كبار السن يستذكرون مجد المنطقة التي كانت قلب صناعة الفحم التي قضت عليها وعلى نقاباتها السيدة الحديدية تاتشر. لكن في المركز لندن تدار أضخم وأنجح حملة الكترونية وحسب احصاءات تصل الى عدد يناهز ثلاثة اضعاف حملة المحافظين.