انتخابات متوسطة المدى

صيف فلسطيني مختلف هذا العام. إذ من المفترض ان تجري انتخابات المجلس التشريعي، لكن بمشاركة حركة حماس، التي اتخذت خلال الاشهر الاخيرة سلسلة خطوات للدخول في المؤسسة السياسية الرسمية الفلسطينية، عبر انتخابات البلديات، ثم مشروع الهدنة مع اسرائيل، واعادة انتاج قرار الموافقة على دخول منظمة التحرير.

اضافة اعلان

ومن الناحية النظرية، فإن الانتخابات القادمة استحقاق تابع لانتخابات الرئاسة، التي حملت ابو مازن رئيسا للسلطة. لكنها من الناحية العملية، قد تحمل نوعا من اعادة الهيكلة لبعض مفاصل مؤسسة السلطة، وبخاصة في ظل التوقعات الاسرائيلية والفلسطينية والمحايدة، بأن تحقق حماس تفوقا، ليس في نسب الاصوات بل في نسب المقاعد. وربما لا تبتعد عن الصواب تقديرات بعض الجهات، التي تقرأ النتائج القادمة على انها ستعطي لحركتي فتح وحماس ما بين 65-80% من المقاعد، وربما يرى البعض ان حالة الارتباك الداخلي التي تعيشها حركة فتح قد تعطي افضلية نسبية لحماس. حتى ان اوساطا سياسية تتحدث عن رغبة "فتحاوية"، تتفق مع رغبة السلطة، في تأجيل الانتخابات، لضمان وقت اطول لترتيب البيت الفتحاوي الداخلي. لكن هذه الرغبة تصطدم بعوائق، تتمثل ليس فقط في مصلحة حماس او نصوص الاتفاقات الفلسطينية الداخلية، بل ايضا في رغبة اميركية في ان تثبت التزامها بالتجارب الديمقراطية في فلسطين والعراق.

انتخابات الصيف القادم تعني في المدى المتوسط، تحويل مؤسسة السلطة الفلسطينية من حال فتحاوية، قائمة على اتفاق اوسلو، الى حالة فلسطينية اكثر شمولا، وهو ما يعني اعطاء هذه المؤسسة شرعية شعبية اوسع، قد يرى فيها معسكر التسوية فرصة كبيرة لتحويل حالة رفض التسوية الى حالة سياسية بالدرجة الاولى. ولعل هذا الهدف البعيد يجعل المتخوفين من فوز حماس المتوقع اقل حزنا. فلا مانع من ان تدفع السلطة ثمنا سياسيا وشعبيا، من حجمها ونفوذها، مقابل اعطاء شرعية اكبر للمؤسسة الرسمية الفلسطينية.

ومن الطبيعي والمتوقع ان تبدي حماس اصرارا على اجراء الانتخابات في موعدها، وان تحاول استثمار حالة الارتباك الفتحاوي الداخلي، والاهم، ان تترجم خطواتها السياسية الاخيرة الى امتلاك بعض مفاتيح السلطة. فدخول المجلس التشريعي جزء من حزمة اجراءات سياسية للتحول الى شريك استراتيجي لحركة فتح في مؤسسات السلطة، في كل مفاصلها ومواقعها، على قاعدة المشاركة والمحاصصة. وما دام رئيس السلطة، ودول معسكر التسوية، بحاجة الى اجماع فلسطيني على وقف العمل العسكري، ولو مرحليا، فإن هذا سيقدم لحماس ورقة لانتزاع مكاسب في المحاصصة السياسية والوظيفية، وستعمل حماس على اغتنام هذا الظرف الداخلي والاقليمي، بما فيه رغبة اميركا في التهدئة فلسطينيا للتفرغ لمأزقها في العراق.

الحاجة الجماعية للتهدئة ما بين القوى الفلسطينية والاقليمية والدولية ستبقى مستمرة في المدى المنظور، وسيكون معيار تعامل الجميع معها على قاعدة استثمارها، دون ان نغمض اعيننا عن اثمان سياسية متفاوتة في الاوزان، تدفعها كل الاطراف. لكن الطرف الاكثر ذكاء، هو القادر على تقدير اللحظة التي تنتفي فيها مصالح الاطراف القوية في استمرار هذا التوافق، وبخاصة ان الفهم للمواقف الحالية لهذه الاطراف يشير الى تناقض في مفاصل الاشياء، الا اذا حمل المستقبل ما يزيل هذا التناقض او يعززه!

وختاما، فإن المرحلة الاخيرة من انتخابات البلديات كانت تمرينا بالذخيرة الحية لانتخابات المجلس التشريعي، مع الاختلاف في بعض التفاصيل.