انتخابات 2016: ما نحب أن نكون عليه

جعلت تقارير الأمم المتحدة مؤشرات الأداء الاقتصادي والاجتماعي جزءاً من الأخبار والسياسات العامة اليومية. وصار بمقدور جميع المواطنين ملاحظة الإنجاز والقصور في دولهم ومجتمعاتهم. وهذا ما يمنح فرصة عظيمة للجدل الاقتصادي والتنموي في الانتخابات الدائرة؛ إذ يمكن للناخبين اليوم، بسهولة، التقدير بوضوح أين نقف في سلم التقدم والفشل. ولحقت بتقارير الأمم المتحدة عشرات التقارير والمؤشرات العالمية والإقليمية التي تقيس الديمقراطية والتكامل الاجتماعي والتمكين والمساواة والعمل. لكن الأكثر أهمية في هذه المؤشرات أنها أنشأت ثقافة اقتصادية وتنموية عامة، جعلت الاقتصاد والإحصاءات ودراسات الظواهر والحالات، مواضيع قابلة للفهم والجدل والتداول في وسائل الإعلام.اضافة اعلان
وفي استيعابهما الإبداعي للمنظومات الفلسفية والاقتصادية لليبرالية والاشتراكية، قدم محبوب الحق وأمارتيا سن فكراً جديداً إضافياً لم يكن فقط يصلح دليلاً علمياً ومرشداً عاماً للعمل والمراجعة، ولكنه أيضا مصدر للإلهام، كما لو أنه عمل فني خالد!
ومن ثم، أصبح بمقدور الشباب والنشطاء والمناضلين اليوم، وهم يتجادلون في الانتخابات النيابية والنقابية والبلدية، أو يفكرون ويعملون لأجل بلادهم ومجتمعاتهم، أن ينشئوا تصوراً عملياً لما يريدون أن يكونوا عليه، وأن يلاحظوا بوضوح الفرق بين واقعهم ورؤيتهم، وأن يتجاوزوا إلى حد بعيد المواقف والمقولات الجاهزة التي اعتادت النخب في الحكم والمعارضة على إطلاقها وتكرارها.
لا نحتاج اليوم لأجل الإصلاح سوى أن نقرأ جداول المؤشرات في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، ونقارنها بالسنوات الماضية وبالدول الأخرى، لندرك ما نحتاج إليه، ثم نطلق الخيال والفكر في الواقع والسياسات والخطط المتبعة لنلاحظ علاقتها بالفشل والنجاح.
المقياس المنطقي والأكثر وضوحاً في قياس النجاح والفشل، هو مستوى الدخل المؤشر إليه بالناتج المحلي. لكن، وعلى نحو عملي، يمكن ملاحظة وتقدير الواردات الغذائية في دولة مثل الأردن، وكيف ولماذا نعجز عن توفير الغذاء للمواطنين، ومن ثم سد الخلل في الناتج المحلي بتقليل الفرق بين الصادرات والواردات؟ وأيضا في تطور تقنيات تحلية المياه وتوليد الطاقة من مصادر متجددة؛ فلماذا تظل المياه والطاقة تحدياً يستنزف الموارد والفرص؟ وكذلك في ملاحظة البطالة واتجاهات التعليم والإنفاق العام، يمكن ملاحظة الفشل في إدارة وتنظيم الموارد والتعليم والخدمات الصحية والاجتماعية. فهو فشل لم يكن سببه نقص الموارد ولكن في توزيع وتخطيط الموارد والموازنات العامة ونسبة التعليم والصحة والبحث العلمي والرعاية الاجتماعية، وفي إدارة المؤسسات العامة لتستوعب الشباب المنخرطين في سوق العمل. إذ من المؤكد حين تغلب العمالة الوافدة، على سبيل المثال، في الزراعة والبناء والحرف والمطاعم والمقاهي والمحروقات، أن ثمة فشلاً يستدل عليه في التعليم والتدريب وفي قوانين العمل ومستوى الأجور والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي أو في حالات من عمالة الأطفال واستغلال الوافدين!
وفي ملاحظة مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي وفي التشغيل، يمكن عملياً ملاحظة الفشل في توزيع الموارد وتنظيمها. فحين تكون قطاعات لا تساهم في تشغيل المواطنين بنسبة تتفق مع حصتها في الإيرادات والأرباح، فذلك يؤشر على الاحتكار والتوزيع غير العادل للموارد. وحين تكون الزراعة لا تساهم في الناتج المحلي وفي التشغيل، فذلك يعني متوالية ممتدة وعميقة من الفشل في بناء منظومات اقتصادية واجتماعية حول الموارد والاحتياجات الأساسية. وحين يتراجع استيعاب الأطفال في المدارس، فذلك يؤشر على مستقبل قدرات الأجيال على اكتساب مهارات الحياة والعمل. في المقابل، حين تزدهر مؤسسات التعليم والصحة في القطاع الخاص على رغم الفقر وضعف الناتج المحلي، فليس لذلك معنى سوى فشل الحكومة في أداء وظائفها الأساسية.
الفشل لم يعد لغزاً عصياً على الفهم، والإصلاح ليس معجزة.