انتشار "الدولة الإسلامية" .. عذاب ليبيا الجديد

ليبية تبكي ابنها الذي راح ضحية للعنف في بلدها - (أرشيفية)
ليبية تبكي ابنها الذي راح ضحية للعنف في بلدها - (أرشيفية)

تقرير خاص – (الإيكونوميست)

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

21/2/2015
القاهرة – كان الانتقام المصري سريعاً. فبعد يوم واحد من قيام "داعش" بقطع رؤوس 21 قبطياً مصرياً في ليبيا، عبرت القوات الجوية المصرية الحدود لقصف درنة، المدينة التي تشكل مرتعاً للجهاديين في شرق ليبيا. وقالت القاهرة إن الغارة التي شنتها يوم 16 شباط (فبراير) استهدفت مخازن للأسلحة ومعسكرات للتدريب تابعة للجهاديين. وادعى مسؤولون ليبيون أن نحو 40-50 من المتشددين قتلوا في الغارة. كما قتل فيها سبعة مدنيين أيضاً. وبثت الإذاعة المصرية الأناشيد الوطنية، وسط الثناء الكبير على عمل "نسور الجيش".
مع ذلك، لن تفعل الضربات الجوية شيئاً يذكر لإيقاف انعدام الأمن والتطرف المتزايدين، واللذين يهددان ليبيا وجيرانها على حد سواء. وقد تفككت ليبيا منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في العام 2011. وبعد أن تمزقت إلى إقطاعيات، أصبحت ليبيا نهباً للصراعات بين حكومتين متنافستين، واحدة معترف بها دولياً وتعمل في طبرق، وأخرى تعمل في طرابلس، مع اثنين من تجمعات الميليشيا الرئيسية المتحالفة معهما. وتتدفق الأسلحة الليبية عبر الحدود الصحراوية لدعم حركات التمرد في منطقة الساحل المصري. وقد اشتملت الأسلحة المهربة، كما يعتقد البعض، على صاروخ مضاد للطائرات كان قد أسقط طائرة مروحية تابعة للجيش المصري في سيناء في كانون الثاني (يناير) 2014.
الآن، انتشر المتطرفون في ليبيا. وهناك ما لا يقل عن ثلاث مجموعات، واحدة في كل من محافظات ليبيا، والتي تعهدت بالولاء لتنظيم "الدولة الإسلامية". وقد تفاخرت الطبعة الأخيرة من دابق، مجلة "الدولة الإسلامية" اللامعة، بمدى وصول المجموعة ورقعة انتشارها. وكان من بين "العمليات" التي احتفت بها المجلة ذلك الهجوم المميت الذي شُن على فندق فخم في طرابلس الشهر الماضي، فضلاً عن القبض على 21 من الأقباط المصريين الذين كانوا قد اختطفوا من مدينة سرت. وشكلت حادثة قتلهم أعنف الفظائع التي ارتكبها المجموعة الإرهابية خارج سورية والعراق. ويقال أن الجهاديين باتوا يعلنون الآن أن ليبيا "تنظر صوب دول الصليبيين الجنوبية" الواقعة على مسافة قصيرة بالقارب عبر البحر.
على الرغم من الخطابة الحربية الساخنة، ثمة احتمال ضئيل لعبور القوات المصرية الحدود. فمن جهة، تخشى مصر استدراج رد فعل عنيف. وبعد ضرباتها الجوية الأخيرة، حذر تحالف من غير الميليشيات الإسلامية التابعة لمجموعة "داعش" في درنة مما وصفته بأنه "انتقام شديد" يتوجه إلى مصر، ولو أنه لن يكون ضد مئات الآلاف من المصريين الذين يعملون في ليبيا الغنية بالنفط للهروب من الفقر في الوطن. وتعاني مصر على أي حال من وجود ما يكفي من المشاكل فيما يتعلق باحتواء التمرد الذي لديها في الداخل، بما في ذلك الوجود المتزايد لمجموعة "الدولة الإسلامية" في سيناء.
من جهتها، رحبت الحكومة في طبرق بالضربات الجوية المصرية، حتى مع أنها رمزية كما كان حالها، في حين دانت الحكومة في طرابلس الغارة، ووصفتها بأنها هجوم على سيادة ليبيا. أما الجزائر، جارة ليبيا الغربية القلقة، فنصحت بعدم التورط أكثر هناك.
على الرغم من هذه التحذيرات، طالبت مصر والحكومة في طبرق بتشكيل قوة دولية تعمل في ليبيا بتفويض من مجلس الأمن الدولي. كما تدعم مصر أيضاً مطالب ليبيا بإقرار رفع جزئي لحظر الأسلحة المفروض على البلد، من أجل مساعدة حكومة طبرق وحليفها الرئيسي، التحالف المسلح بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر. كما طالبت هذه الحكومة أيضاً بفرض حصار بحري على الأسلحة التي تأتي إلى طرابلس.
من غير المرجح أن تلتزم الأمم المتحدة بأي تعهدات بأرسال جنود دوليين إلى ليبيا. ويبدو أن إيطاليا التي كانت قد قالت في البداية أنها ستكون مستعدة لأرسال قوات تشكل رأس الحربة لقوة دولية في ليبيا، قد تراجعت عن ذلك في 16 شباط (فبراير). أما فرنسا التي وقعت الأسبوع الماضي صفقة لبيع 24 طائرة لمصر في صفقة تعادل قيمتها نحو 5.9 مليار دولار أميركي، فقد شددت بدورها على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي.
للأسف، يبدو القليلون من أولئك المتورطين في الصراع الأوسع نطاقاً ملتزمين بالجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتوسط في التوصل إلى اتفاق سلام داخل ليبيا. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الذين يشعلون أوار الحرب في ليبيا هم الغرباء. وتستخدم كل من مصر والإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهما البلاد كساحة قتال لحرب بالوكالة ضد الإسلاميين الذين يُزعم أنهم يتلقون الدعم من تركيا ومن قطر التي استدعت سفيرها من مصر بعد الضربات الجوية المصرية الأخيرة.
تقوضت دعوات مصر لطلب المساعدة الدولية بسبب قمعها للمعارضة في الداخل تحت ستار محاربة "الإرهاب". وAثير الجنرال حفتر، الذي لا يخفي طموحه إلى أن يكون رئيساً لليبيا، مخاوف مماثلة بشأن مدى اتساع شبكة أعدائه التي يعرضها.
بالنظر إلى هشاشة أوضاعها، فإن مصر قد تفضل العمل سراً مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتستمر في دعم الجنرال حفتر. كما يعتقد أيضاً بأنها قدمت الدعم اللوجستي لاثنتين على الأقل من الضربات الجوية التي نفذتها الإمارات العربية المتحدة في ليبيا خلال الصيف الماضي (وهو ما لم تعترف به أي من الدولتين).
ثمة تحالف عربي أكثر حزماً، يتكون مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن، قيد التشكل ضد الجهاديين. وقد صعد الأردن ضرباته الجوية في سورية منذ بث تنظيم "داعش" لقطات فيديو في شباط (فبراير)، وعرض فيه قتل الطيار الأردني الذي كان أسيراً هناك. وبعد ذلك، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت قد أوقفت غاراتها الجوية لفترة وجيزة بعد أسر الطيار الأردني، بإرسال طائرات حربية إضافية إلى الأردن. وربما ستفعل الإمارات المزيد في ليبيا أيضاً، لكن زيادة عدد الهجمات من الجو تنطوي على مخاطرها الخاصة بدورها. وكما يقول مايكل وحيد حنا من "سينتشوري"، المؤسسة الفكرية في نيويورك، فإن "ردات الفعل القوية المفتقرة إلى الشمول والدقة يمكن أن تؤدي إلى مفاقمة المشكلة".
في الوقت الحالي، قد يكون أفضل أمل لوقف الفوضى المستشرية في ليبيا هو شعور الحكومة التي نصبت نفسها في طرابلس، والتي تعتبر الإسلاميين من بين حلفائها، بالتهديد الكبير الذي تشكله مجموعة "داعش" بحيث تبدأ في التركيز على البلد المتحلل، وربما تشرع في التحدث بشكل أكثر جدية حول تشكيل حكومة وحدة مع الإدارة التي تعمل من طبرق.
بعد أن أغلقوا عيونهم عن الوجود المتصاعد لتنظيم "داعش" في ليبيا، يبدو أن المسؤولين في طرابلس قد غيروا مواقفهم بعد أن أعلنهم الجهاديون مرتدين في مقال نشر في مجلة دابق، واستولوا على محطة إذاعية في مدينة سرت. وقد أمرت السلطات في طرابلس قواتها بالتدخل في سرت، قائلة بأن عليها أن "تضرب بقبضة من حديد أولئك الذين يعملون على تقويض الاستقرار في داخل المدينة". لكن الكثيرين من الليبيين يعتقدون أن الوقت ربما يكون قد أصبح متأخراً جداً الآن.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 The spread of Islamic State: Libya’s new agony

اضافة اعلان

[email protected]