انتقام لا عدالة

جعلوا صدام حسين أسطورة. فالمشهد الأخير هو الذي يرسخ في الذاكرة. وفي المشهد الأخير، بدا صدام زعيماً. وظهر جلادوه صغاراً طائفيين حاقدين.

اضافة اعلان

المشهد الأخير لصدام حسين كان كارثة على العراق. جذّر الطائفية. كرّس الانقسام. بدا صدام ضحية. وبان جلادوه قتلة، مدفوعين بغرائز انتقامية، وأجندات سياسية معنية بكل شيء إلا العراق ومستقبله.

لو كان الذي أعدم صدام حسين دولة ديمقراطية لكل أهلها لكان المشهد، وإيحاءاته، مختلفاً. بيد أن من لفوا حبل المشنقة حول عنق صدام كانوا ميليشيات لم تحل أقنعتها دون إظهار حقيقة خلفياتها المذهبية.

هتف جلادو صدام لقيادات طائفية. كانت لحظة انتقام لا لحظة عدالة. العدالة تبني الأوطان. الانتقامية تدمرها.

لم يكن العراق حاضراً حين أُسدل الستار على حياة صدام وتاريخه. الحاضر كان الراهن الطائفي القميء، الذي دفعت الولايات المتحدة بلاد الرافدين إليه.

فرحت أميركا بإعدام صدام. وكذلك إسرائيل. وفرحت بلاد فارس. إعدام صدام كان لإيران "نصراً إلهياً". لكن الحقيقة أنه كان، بتوقيته ومرتكزاته القانونية وآليات تنفيذه، على العراق وعلى كل العرب دمارياً. من المستفيد؟ أميركا. وكذلك إيران التي نجحت وحلفاؤها في جعل نهاية ديكتاتورية صدام بداية لضياع العراق.

سيعاني العراق طويلاً تبعات إعدام صدام بعد أن دانته محكمة تحت سطوة الاحتلال وفي غياب بنيان الدولة في العراق. وسيعاني العرب أيضاً. فأنّى كانت جهود احتواء تلك الخطيئة الأخلاقية والسياسية، ترى أكثرية العرب والمسلمين إلى إعدام الرئيس العراقي السابق على أنه استفزاز طائفي موجه ضد السُنّة.

وذلك إيمان لن تخلخله تبريرات القيادة العراقية وفتاوى سادة طهران وتفسيرات إدارة بوش. العالم الإسلامي منقسم بين سُنّي وشيعي. وذلك انقسام سيكون ناراً ودماراً على كل العرب والمسلمين.

حكم صدام حسين شعبه بالنار والحديد. ظلم وقتل. لكن من قتلوه يظلمون ويقتلون أيضاً. هي حلقة في مسلسل من البطش يتغير أبطاله وتظل جرائمه. لا عدالة إذن. مزيد من الظلم.

أحالت أميركا العراق ساحة للثأر والفوضى. وأحالت طهران بغداد ساحة تنفذ فيها، بأدوات عراقية وإيرانية، جرائم أفظع وأبشع من تلك التي ارتكبها صدام.

أما العرب فهم غائبون. والأنكى أنهم سيظلون غائبين بينما تُمَزَّقُ أوصال أوطانهم وتُختَرق ثقافتهم بقيم تكفيرية وأخرى طائفية. ضاع العراق وهم يتفرجون. وسيضيع لبنان وتضيع سورية وهم يتفرجون.

لكن الفرجة لن تدوم. نار الفتنة، إن لم تحتوَ، ستطول عالم العرب في مشرقه ومغربه. طال سبات العرب. ثقلت جراحهم. وآن لليلهم الطويل هذا أن ينجلي. وليكن إعدام صدام، بهذه الطريقة المهينة، صرخة توقظهم إلى حجم الخطر وضرورة الصحوة.