انحلال سورية: الحذر.. نظام جديد

إسرائيل هيوم

يعقوب عميدرور  30/10/2015

نظرة أعمق إلى الأحداث في سورية تطرح بعض الأفكار عن المستقبل المرتقب للمنطقة بشكل عام ولإسرائيل بشكل خاص بسبب ما يجري هناك، فيما ان الحدث الاول هو انتشار القوات الروسية في سورية. هذا يحصل لاول مرة منذ السبعينيات من القرن الماضي وبالتنسيق المسبق مع إيران. وليس صدفة ان اتخذ القرار في ذلك بعد توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، والذي أعطى إيران الشرعية الدولية التي بحثت عنها. ونشأ عمليا حلف عملي بين إيران وروسيا في المنطقة، حتى وإن لم يذكر كذلك.اضافة اعلان
جملة من الأسئلة تثار عقب الوضع الجديد. أولا، ما معنى مثل هذا الحلف بالنسبة لتعزيز إيران في المنطقة وقدرة إسرائيل على منع تعزيز إيران وحزب الله تحت المظلة الروسية؟ إلى أي مدى ستستغل إيران الحلف العملي الجديد وتدحر إسرائيل إلى الزاوية؟ إلى اي مدى ستعاني إسرائيل من سلوك شاذ لإيران وحزب الله، حيال الوضع المعقد، في ضوء تواجد الروس في المحيط؟ وإذا ما ردت إسرائيل بشدة، فماذا ستفعل روسيا؟ هل ستبقى بالفعل لامبالية تجاه نشاط إسرائيلي عنيف في المنطقة التي توجد فيها، وتوجد لها ظاهرا مساحة من المسؤولية عما يجري فيها؟ كل هذه المسائل ستفحص في الواقع بشكل عملي.
من شأن العمل الروسي أن يؤدي إلى تغيير في علاقات القوى في المنطقة نفسها. فالروس يهاجمون كل الانواع، دون أي صلة بمدى انتمائهم لداعش، لحقيقة أن الولايات المتحدة تواصل هجومها عليه في العراق اساسا. المعنى هو ان السنة في سورية وفي العراق، من شأنهم ان يشعروا أنفسهم مضغوطين بين حلف الروس مع العلويين وحلف الولايات المتحدة مع إيران (في المجال النووي)، فيعززوا داعش بالذات. إذا كانت هذه هي النتيجة، فان الوضع في المنطقة سيتدهور حتى اذا ما كانت نجاحات تكتيكية للروس او للولايات المتحدة في استخدام القوة الجوية.
الحدث الثاني هو زيادة تواجد الإيرانيين وحزب الله في سورية، تحت المظلة الروسية. ولنتيجة مثل هذه الخطوة وجهات: الوجه الاول يرتبط بحرية عمل حزب الله وجودة قتاله في المستقبل. من جهة، تنشغل المنظمة اليوم جدا في قتال شديد في سورية، ليست لها القدرة على فتح جبهة أخرى امام إسرائيل، وهي محدودة في ردود فعلها حتى عندما تنفذ عملية عنيفة ضد رجالها او ضد أسلحتها في سورية. فضلا عن ذلك فقد تكبدت المنظمة خسائر فادحة جدا في القتال في سورية – نحو ألفي قتيل وبضعة آلاف من الجرحى. وبالنسبة لمنظمة عدد مقاتليها، في أفضل الأحوال مع رجال "الاحتياط"، لا يصل إلى 50 ألف – فإن هذه كمية كبيرة جدا.
من جهة أخرى فإن القتال المكثف في سورية يمنح حزب الله تجربة تنقصها؛ فقد ترى هناك جيلا من القادة شهدوا قتالا شديدا، والمنظمة تشتري ما ينبغي كي تصبح ذات قدرة أفضل.
لم تلتق إسرائيل ابدا في ميدان المعركة منظمة مجربة بهذا القدر في القتال مثل حزب الله بعد التدخل في سورية. وهذا صحيح بالنسبة للقسم النظامي من حزب الله مثلما هو صحيح أيضا بالنسبة لرجال الاحتياط الذين يخرجون من العمل في الحقول إلى الخدمة في سورية ويعودون إلى ديارهم بعد بضعة أشهر من القتال. ماذا سيكون معنى هذا التغيير في ميدان المعركة البري ضد الجيش الإسرائيلي في يوم الأمر؟ صحيح هو التقدير بأن حزب الله سيعبر في حينه عن تجربته ولن يكون ذات المنظمة التي قاتل الجيش الإسرائيلي ضدها في 2006. حزب الله بعد القتال في سورية سيكون جوزة أعند على الكسر.
الوجه الثاني من التغيير في مستوى تدخل إيران وحزب الله وجد تعبيره في تعزيز الموقع المتمثل بهذا الارتباط الخطير، في سورية بشكل عام وفي الجولان بشكل خاص. والخطر الأكبر هو أنه تحت المظلة الروسية، حتى دون طلب موافقة روسيا، سيبني حزب الله وإيران قاعدة هجومية ضد إسرائيل، بمثابة نسخ للجبهة اللبنانية إلى جنوب سورية. هذا خطر حقيقي لأن الجيش الإسرائيلي سيكون ملزما بمضاعفة جهوده والعمل ضد جبتهتين، وسيكون أصعب العمل في دولة تنتشر فيها قوات روسية، تقاتل إلى جانب حزب الله والإيرانيين.
دولة عالم رابع
الحدث الثالث هو حدث متواصل لا يتوقف، انحلال سورية والحركة الهائلة للمواطنين السوريين في داخل سورية وخارجها كنتيجة لذلك. ويدور الحدث عن ملايين عديدة، على ما يبدو أكثر من كل مواطني إسرائيل معا. وفضلا عن الكمية الكبيرة من اللاجئين في داخل سورية نفسها، فإن نحو 4 مليون لاجئ يتواجدون في معسكرات بائسة في الدول المجاورة: الأردن، تركيا ولبنان.
اللاجئون هم عبء ثقيل على دول فقيرة وصغيرة مثل لبنان، ومن شأنهم ان يغيروا التركيبة الديمغرافية، بزيادتهم عدد السُنة بشكل دراماتيكي. وبالمقابل، في سورية من شأن حركة الجماهير هذه أن تغير كل الميزان بين الطوائف. عند اندلاع الحرب كان العلويون نحو 12 في المئة من إجمالي سكان سورية – ماذا ستكون مكانتهم بعد أن يكون ملايين السنة قد انتقلوا إلى دول مجاورة وإلى أوروبا؟ ماذا سيحصل عندما تتغير النسبة دراماتيكيا، لدرجة أن يصبح العلويون ربع السكان المتبقين في سورية؟ واستمرار العملية سيجعل سورية دولة فارغة من معظم سكانها، والقلة الذين سيبقون سيعيشون في مكان مختلف تماما. والمعنى؟ جيل كامل من السوريين الشبان يضيعون من كل ناحية، ممكنة. ما معنى مجتمع ليس فيه قانون ونظام منذ بضع سنوات وليس فيه منظومات قانون حقيقية؟ إسرائيل ستضطر للعيش، في نهاية مسيرة طويلة، بجيرة دولة حتى في العالم الثالث ستعتبر متخلفة، مجتمع مفكك وعديم القدرة على معالجة نفسه. هذا على ما يبدو هو المصير المرتقب لسورية، إذا ما كان ممكنا على الإطلاق وقف القتال فيها (أنا في شك).
إن استمرار القتال في سورية المفككة، تعزيز موقع حزب الله وإيران وانتشار قوة روسية هامة في سورية يستدعي تفكيرا اضافيا حول المصلحة الإسرائيلية في نتيجة الصراع الوحشي في الدولة المجاورة. فالقرار بعدم الانجرار إلى القتال بين السوريين وبين أنفسهم وعدم المبادرة إلى قتال ضد حزب الله وإيران، رغم الخطر الذي في موقفهما الجديد في سورية، كانا صحيحين في وقته. ويبدو أن اليوم ايضا، فإن التصميم لمنع نقل السلاح محطم التوازن إلى حزب الله يجب أن يستمر.
ولكن لعله من المجدي التفكير بعمق أكبر في مسألة التسوية بعيدة المدى الاقل ضررا لإسرائيل. وذلك ضمن امور اخرى إذ يحتمل ان قريبا سنرى محادثات على مستقبل سورية بمشاركة كل الدول ذات الصلة، بما فيها إيران والولايات المتحدة. من المجدي ان توضح إسرائيل في أقرب وقت ممكن ما هو موقفها من الموضوع، حتى لو لمن تشارك في المفاوضات نفسها، وحتى لو كان احتمال تحقيق تسوية بين السنة والعلويين، الإيرانيين والسعوديين، الأتراك والأميركيين، صفري للغاية.