انسداد طريق الشام.. ما البديل؟

عندما يقول لك أحد "البحارة" الذين يعبرون يوميا من المنفذين الحدوديين بين الأردن وسورية، إن المسألة فوق القدرة على التحمل، وإنه لا يقوى على جلب السلع بين البلدين، فاعلم أن التجارة أصيبت بالشلل؛ إذ لا توجد جرأة تضاهي جرأة هؤلاء الذي يفعلون كل شيء من أجل إدامة حركة التجارة واستمرار النقل بين منفذي درعا-الرمثا ونصيب-جابر. قال لي أحدهم: اجتياز الحدود الرسمية قد يكون سببا في نهاية حتمية. ليس البحارة وحدهم؛ أيضا أصحاب الشاحنات لا يدخلون إلى سورية عقب اتساع مشهد القتل والدمار فيها. واليوم، نحن أمام شلل شبه تام في مفاصل العلاقة التجارية التي تشكل نحو 60 % من حركة تجارتنا بمجملها. اضافة اعلان
وخلاصة القول إن طريق الشام باتت مغلقة في وجه التجارة مع سورية، ومثلها مع دول أوروبية عديدة لأن الشام كانت جسرا للعبور إلى تركيا ودول أوروبية أخرى.
وبينما انخفضت التجارة البينية مع سورية بنسبة 50 % العام الماضي ومنذ اندلاع الثورة السورية، فإن هذا التراجع مقارنة مع مستوى التجارة قبل عامين مرشح للاتساع أكثر بحلول نهاية العام الحالي، وربما بنسبة تصل إلى 85 %. ولا ينفع والحالة هذه أن تضع الحكومة رأسها في الرمل، وتنتظر حلولا من السماء، وكأن الامر لا يعني جانبا رئيسا من تدفق البضائع من وإلى سورية، ومنها إلى أوروبا وبالعكس.
تصريحات وزير النقل بشأن حركة نقل البضائع بين البلدين، والتي قال إنها "مستمرة ولم تتوقف"، وإن الأمر مجرد تأخير على المعابر الحدودية، هي تصريحات ليست ذات صلة بحقيقة ما يجري بشكل مباشر. والتبرير بوجود مئة شاحنة تابعة للشركة الأردنية-السورية، نصفها في سورية والنصف الآخر في لبنان، لا يقدم الكثير في ظل تعطل وتوقف حركة التجارة على جانبي سهل حوران. والمسألة ليست توقف تصدير الخضار والفواكه الأردنية إلى الأسواق الأوروبية، وإنما تلاش تدريجي لحضور الشاحنات الأردنية في الداخل، وهناك فقط حركة محدودة وهامشية لبعض الشاحنات السورية التي تأتي إلى الأردن. والشاحنات التركية والعراقية والكويتية التي كانت تدخل سورية إلى الأردن تشهد هي الأخرى توقفا كاملا.
ليس المهم حاليا تأكيدات الوزير أو عدمها حيال تعطل أو شبه تعطل طريق الشام، الأكثر أهمية يكمن في إيجاد البدائل التي تقلل من منسوب الخطر على اقتصادنا الوطني. ويبدو أن المباحثات الأردنية-العراقية التي بدأت مؤخرا لدراسة إمكانية السماح للشاحنات الأردنية بالعبور -ترانزيت- من خلال العراق إلى تركيا وأوروبا لم تؤت أكلها، رغم الاستعداد العراقي لتنفيذ هذا الأمر، وبما يعود عليه أيضا بالمردود الاقتصادي. لكن جارتنا الشرقية ليست أحسن حالا من جارتنا الشمالية، حيث الطرق الخارجية غير الآمنة، وأعمال التفجير لم تتوقف هناك. غير أن هذا البديل مؤقت ويمكن الاعتماد عليه بانتظار عودة شريان التجارة الأردنية إلى سابق عهده بعد زوال نظام الأسد. ومن البدائل أيضا النقل الجوي، لكنه مكلف ويحتاج إلى ترتيبات خاصة. أسئلة كثيرة برسم الإجابة بخصوص الغلاء الذي سيظهر على السطح بسبب تعطل التجارة بين الأردن وسورية. فالملابس، مثلا، التي نستوردها من الشام ليست متاحة اليوم، وموسم العيد على الأبواب؛ فما الذي سيجري تحديدا لأسعار الملابس؟ وأي ارتفاعات ستشهدها؟ وما الكميات الجاهزة لتغطية الطلب المحلي؟
الأزمة متفاقمة على صعيد تعطل خط بري حيوي لتبادلنا التجاري مع العالم، ولا يصلح معها الإنكار أو التخفيف من حدتها بتصريحات إعلامية؛ إنها تحتاج إلى وقفة مراجعة وبحث جدي عن بدائل حتى تزول الغمة، ويعاد لطريق الشام حيويتها ونشاطها الاعتيادي.