انقاذ البشرية مقابل أرباح منتجي لقاحات كورونا

يدور في الوقت الراهن صراع دولي كبير حول التزود بلقاحات فيروس "كورونا المستجد" بين كبرى الشركات المنتجة للقاحات والحكومات التي تحميها من جهة والدول الفقيرة والمتوسطة الدخل من جهة أخرى.اضافة اعلان
ويتمحور الصراع حول واحد من المبادئ التي قام عليها النظام الرأسمالي -غير العادل- بصيغته المعاصرة، والذي يمنح الشركات حق حماية حقوق ملكيتها الفكرية للاختراعات الخاصة بمنتجاتها التي تطورها بغض النظر عن طبيعة المنتج.
ومنذ بدء شركات الأدوية الكبرى العالمية بإنتاج لقاحات فيروس كورونا المستجد، بدأت العديد من الدول بمطالبتها بوقف العمل بمضامين اتفاقية "تربس" المتعلقة بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، أو تقديم اعفاء مؤقت بها.
وقد أطلقت كل من الهند وجنوب افريقيا مبادرة دولية لهذه الغاية، وقدمتها الى منظمة التجارة العالمية – المؤسسة الدولية المعنية بقضايا التجارة الدولية ومنها حقوق الملكية الفكرية- بدعم من ما يقارب 80 دولة أخرى، بما يمكن الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل من انتاج اللقاحات محليا لتلبية حاجاتها من اللقاح.
تأتي هذه المطالبات في ظل الخسائر البشرية الضخمة التي تتعرض لها البشرية جراء فقدان مئات آلاف الناس لحياتهم الى جانب الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الأنظمة الصحية لغالبية دول العالم، إضافة الى الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها دول العالم وفقدان ملايين العاملين والعاملين لوظائفهم.
جاءت هذه المطالبات والمبادرات بعد تجربة سابقة ناجحة، عندما تم التخلي قبل عقود قليلة عن حقوق الملكية الفكرية عن الادوية الخاصة بمرض نقص المناعة المكتسبة – الايدز، ولعب ذلك دورا جوهريا في انقاذ حياة ملايين البشر.
هذه المطالبات تواجه رفضا قويا من قبل شركات الأدوية المنتجة للقاحات، وحكومات الدول التي تعمل هذه الشركات تحت رعايتها، حيث رفضت الموافقة على التنازل عن حقوق ملكيتها الفكرية لهذه الاختراعات واصرت على احتكار انتاجها، مفضلة المزيد من الأرباح وضاربة بعرض الحائط حياة وصحة مئات ملايين الناس في هذه الدول.
ويشهد العالم في الوقت الراهن صراعا دوليا كبيرا للحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، حيث استولت الدول الكبرى والغنية على حصة الأسد منها، وتركت شعوب العالم ودولها تتسابق على كميات محدودة جدا.
الصورة العامة للصراع على اللقاحات وتفاصيله تظهر بوضوح حالة اللامساواة العميقة التي تسيطر على العالم، وتكشف عن زيف ما يتم التصريح به من قبل العديد من القادة السياسيين في الدول الكبرى المتعلقة بمكافحة اللامساواة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
أمام المواقف المتعنتة للدول الكبرى الحامية لمصالح الشركات المنتجة للقاحات، يقف العالم أمام أكبر اختبار أخلاقي، فنحن أمام تعرض حياة ملايين البشر وصحتهم وسبل كسب عيشهم للخطر، مقابل منح الفرصة للشركات المنتجة للقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد من تحقيق المزيد من الأرباح.
لا خيار أمام البشرية سوى الاستمرار في محاربة هذه التوجهات اللاإنسانية التي تطغى على انتاج اللقاحات وتوزيعها، بمزيد من التنسيق بين دول وشعوب العالم المتضررة، وبخلاف ذلك سيدفع مئات آلاف البشر حياتهم، وسيخسر ملايين الناس سبل كسب عيشهم.