انقلابا العراق، ورد الولايات المتحدة

مقاتلون من ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران - (أرشيفية)
مقاتلون من ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران - (أرشيفية)
مايكل نايتس* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2/8/2022 نفذ حلفاء إيران في العراق انقلابًا قضائيًا في بداية هذا العام. والآن، يحاول مقتدى الصدر السيطرة على النظام من خلال الأعمال الغوغائية. يجب أن يهتم أصدقاء العراق بقيادة الولايات المتحدة بهذين التطورين على حد سواء، وليس أحدثهما فحسب. * * * مع احتلال أنصار مقتدى الصدر للبرلمان العراقي وسيطرتهم على المنطقة الدولية؛ أي مركز الحكم في بغداد، اعتبرت مجموعة من الآراء أن العراق يشهد انقلابًا، أو كما يسميها الصدر، "ثورة". ولكن في سياق الأشهر الأخيرة، ينبغي النظر إلى أفعاله على أنها رد على تقويض النظام القضائي من قبل الخاسرين في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2021 التي فازت بها كتلة الصدر، من أجل إبطال نتيجة الانتخابات. وبفعل هذا الانقلاب القضائي، الذي تحقق من خلال السيطرة على المحكمة الاتحادية العليا التي يفترض أنها مستقلة، خضعت إحدى أذرع الحكومة العراقية لقوة أجنبية. والآن يقوم الصدر بعمل مشابه، وإن كان من خلال الأعمال الغوغائية: إبطال ذراع أخرى من الحكومة، وهي الهيئة التشريعية. كيف ينبغي أن تنظر الولايات المتحدة وأصدقاؤها إلى هذه الفوضى وما الإجراءات التي قد تخدم مصالح الولايات المتحدة ومُثلها على أفضل وجه؟

حكاية انقلابين

في النظام البرلماني العراقي، يقوم أعضاء مجلس النواب بتعيين رئيس المجلس ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بهذا الترتيب. في ظروف عادية، يتطلب انتخاب رئيس المجلس والتصديق على رئيس الوزراء وحكومته أغلبية بسيطة من 329 نائبًا (أي 165 مقعدًا)، في حين أن أغلبية الثلثين (218 مقعدًا) مطلوبة في المحاولة الأولى لانتخاب رئيس، إلا أن العتبة تنخفض إلى 165 مقعدًا إذا تعذر الفوز في الجولة الأولى. وفي انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2021، التي تم تقييمها على أنها نزيهة من قبل كل من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق والأمم المتحدة، فازت قائمة "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعدًا) وحاولت الخروج عن المألوف وتشكيل تحالف متعدد الأعراق والطوائف يضم المقاعد الـ165 المطلوبة ويدفع بتحالف الإطار التنسيقي المدعوم من إيران إلى المعارضة. حاول الإطار التنسيقي إبطال نتائج الانتخابات أولًا من خلال السبل القانونية، ثم الهجمات شبه العسكرية على المنطقة الدولية، وفي النهاية محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي المؤقت مصطفى الكاظمي في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. عندما فشلت كل الجهود وجرى التصديق على نتائج الانتخابات في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2021، انتقل إطار التحالف إلى الخطة "ب". وقضت هذه الخطة بتنفيذ انقلاب قضائي كان العقل المدبر له نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، الذي استمال أعضاء بارزين في النظام القضائي قام بتهيئتهم وترقيتهم في المناصب خلال عهده الطويل كرئيس للوزراء. وتضمن الانقلاب القضائي الحالي إصدار تعليمات لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي، فائق زيدان، بتسهيل سلسلة من الأحكام في المحكمة الاتحادية العليا التابعة له، تم طرحها في تتابع سريع في أوائل العام 2022. والأهم من ذلك، ألغت المحكمة الاتحادية العليا عمليًا خيار تعيين رئيس بالأغلبية البسيطة إذا فشلت جهود تحقيق أغلبية الثلثين. وبذلك، أطاح الإطار التنسيقي فعليًا بجهود مقتدى الصدر الرامية إلى تشكيل حكومة أغلبية من 165 مقعدًا بمشاركة الفصائل العربية السنية والكردية، وغيّر هذا القرار في جوهره قواعد اللعبة فيما كانت الكرة على وشك عبور خط المرمى. وقامت المحكمة الاتحادية العليا فجأةً أيضًا بتفعيل قضية عمرها عشر سنوات ضد صادرات النفط المستقلة لكردستان من أجل معاقبة وترهيب بعض الأكراد على خلفية مشاركتهم في جهود تشكيل حكومة أغلبية. أقال مقتدى الصدر، في خطوة تنم عن إحباطه، جميع النواب البالغ عددهم 73 نائبًا من البرلمان، وتنازل عن الأغلبية للإطار التنسيقي وشركائه (ولكن ليس أغلبية الثلثين المهمة). وأشار إلى أنه يعتبر النظام فاسدًا وأنه سيعمل الآن على تغييره. واستعد الإطار التنسيقي لمحاولة تشكيل حكومة، وكان على ما يبدو قادرًا بصعوبة على جمع ثلثي النواب معًا بعد إعادة تخصيص الكثير من مقاعد الأعضاء التابعين للصدر المستقيلين. لمنع ذلك، استولى أنصار مقتدى الصدر على المجلس التشريعي في بغداد، وكذلك مواقع الدعم في أماكن أخرى. ولم تخاطر الحكومة العراقية بقتل المتظاهرين لوقف هذه التوغلات، كما لم تمنع الحكومة العراقية (في عهد رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، وهو الآن شريك في الإطار التنسيقي) أنصار الصدر من نهب البرلمان في العام 2016. وتنظر أحزاب الإطار التنسيقي إلى رد فعل الحكومة الخجول على أنه تأييد لأنشطة الصدر، وتصفها بالتالي بالانقلاب. خطآن لا يصنعان حكومة مستقرة على الرغم من أن القيادة العليا للولايات المتحدة تركز على الأرجح على المنافسة بين القوى العظمى والقضايا المحلية، إلا أن مجتمع الاستخبارات الأميركي والسلك الدبلوماسي، إضافة إلى حلفائنا وشركائنا، يعرفون الكثير عن التحركات اليومية والمحادثات والحسابات المصرفية للقادة العراقيين الرئيسيين. ولذلك، تعرف الولايات المتحدة تمامًا كيف نفذ الإطار التنسيقي انقلابًا قضائيًا في أوائل العام 2022، بالشراكة مع الجنرال إسماعيل قاآني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان. وقد التقى الرجال الثلاثة في منزل نوري المالكي في كانون الثاني (يناير) 2022، وتلقى زيدان عندها تعليمات من المالكي والجنرال الإيراني. ومن المخالف تمامًا لروحية ونص الدستور العراقي أمر النظام القضائي في البلاد بتقويض نتائج الانتخابات وترهيب كتلة الأغلبية. إن هذا انقلاب قضائي مدعوم من الخارج ولا ينبغي أن يقبله الشعب العراقي أو أن يتجاهله المجتمع الدولي، كما حدث إلى حد كبير حتى الآن، في العلن على الأقل. وقد تحرك الإطار التنسيقي بهدوء وذكاء، فقام بأنشطته غير القانونية وغير الدستورية في المجال الذي لا يمكن فيه للمخابرات السرية إلا اكتشافها. وإذا أرادت الولايات المتحدة ذلك، فإنه يمكنها الكشف عن أدلة على هذه الجهود، سواء بشكل علني أو سري وغير مباشر. لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة اليدين ولا تسجل اعتراضها على احتلال الصدريين لمؤسسة كبرى في الدولة. وهنا قد يكون النهج غير المباشر ذكيًا. لا يمكن للولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر. فواشنطن لم تحرك ساكنًا لمساعدة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فيما عمدت شاحنات الميليشيات الخاصة بحركة "كتائب حزب الله" التابعة للإطار التنسيقي (المعروفة بـ"قائمة حقوق" في البرلمان) إلى محاصرة مقر إقامة رئيس الوزراء في حزيران (يونيو) 2020 في تهديد مباشر له. بدلًا من ذلك، سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تقدم ببساطة للصدر والشعب العراقي الدليل الذي يحتاجونه لإسقاط القيادة القضائية الفاسدة في العراق، والمسؤولين الآخرين الذين تآمروا مع الإطار التنسيقي للإفراج عن قتلة المتظاهرين من السجن أو الذين جمعوا ثرواتهم على حساب العراق. وقد تكون القيادة القضائية الجديدة قادرة على اتخاذ إجراءات، وقد يقنع ذلك الصدر بالتخفيف من قبضته على البرلمان. وستتبع ذلك على الأرجح انتخابات جديدة، بما أن النظام القضائي قد اتخذ إجراءات متعددة في أوائل العام 2022 للتأثير في النتيجة النهائية للانتخابات بما يخدم الإطار التنسيقي. بعبارات أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تهتم بمحاولتي الانقلاب في العراق هذا العام، وقد يكون المكان المناسب للبدء هو مساعدة العراقيين على تصحيح الخطأ المتمثل بسرقة الانتخابات وترهيب أكراد العراق على خلفية ممارستهم حقهم في الانضمام إلى حكومة الأغلبية. وما لم يتم إبطال قرارات المحكمة الاتحادية العليا، ربما يكون الإطار التنسيقي قد أضر بشكل دائم بقدرة العراق على تشكيل حكومة وأوجد مأزقًا سيعاود الظهور في كل عهد تتخلله انتخابات، وباتت أغلبية الثلثين مطلوبة الآن. كما لم يتردد الإطار التنسيقي في المخاطرة بسحب نصف مليون برميل من النفط من السوق العالمية وإغراق خمسة ملايين من سكان إقليم كردستان في أزمة اقتصادية من خلال هجماته القضائية (إلى جانب الهجمات الصاروخية والهجمات بالطائرات من دون طيار) على مبيعات النفط في كردستان. وهذه أعمال مزعزعة للاستقرار ولا يمكن إبطالها إلا إذا تم تسليط الضوء على أساس الأحكام، أي التفاعلات القضائية غير الصائبة مع قادة الإطار التنسيقي مثل نوري المالكي وقائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني. في هذه المرحلة، بينما يتجه العراق وشركاؤه إلى شفير الهاوية، لا بد من التفكير بشكل عاجل وغير تقليدي في السياسات، بما يرسل إشارة إلى مقتدى الصدر مفادها بأنه يمكن الخروج من المأزق الحالي بأكثر من طريقة، وأنه يمكن تصحيح خطأ الانتخابات المسروقة. *مايكل نايتس: زميل في برنامج الزمالة "ليفر" في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج.

 اقرأ أيضا في ترجمات

الصراع على السلطة بين الصدر والمالكي: أي التيارات سينتصر في العراق؟اضافة اعلان