اوباما صديق حقيقي

15-5

زئيف شترينهال

هآرتس

من يعود للولايات المتحدة لأول مرة بعد انتصار باراك اوباما الكبير لا يمكنه إلا ان يلاحظ فورا الانقلاب الهادئ الحاصل هنا: جدول الاعمال القومي قد تغير، والنقاش الشعبي اصبح مغايرا والهزلية المحافظة الجديدة تبدو وانها قد زالت عن الحياة اليومية، والافق المسدود لايام بوش قد تم اختراقه. لذلك سيحسن قادة إسرائيل صنعا من اليمين ومن اليسار لو قرأوا بتمعن سيرة باراك اوباما الذاتية.

اضافة اعلان

وبالفعل من الصعب وصف مسارات حياة وفلسفة وعقلية متباينة أكثر من تلك لرئيس أميركي ولقادة الحكم الإسرائيلي. ان كانت هناك انماط سلوك لا يمكن لاوباما ان يرتاح لها باقل تقدير، فهي بالتحديد تلك التي تميز نهج الساسة الإسرائيليين.

من شمعون بيريز مرورا بايهود باراك وبنيامين نتنياهو وايهود اولمرت حتى افيغدور ليبرمان، يميل الإسرائيليون لرؤية احادية البعد للعالم وعقيدة لا تتزعزع بصدقهم دائما وفي اي شرط وسخريتهم من الاضعف منهم وفي نفس الوقت غرقهم بسهولة بدموعهم الذاتية.

الإسرائيليون مثل الاولاد المدللين يعتقدون انهم يستحقون كل شيء وفورا. ولكن من المحظور ان نقع في الخطأ هنا: اوباما ليس داعية تبشير ولا يحمل الاحلام، الا ان تجربة حياته باعتباره ابنا اسود لام منفصلة علمته انه ليست هناك معطيات ابتدائية سيئة لا يوجد سبيل للتغلب عليها. والفرق الاكبر بينه وبين رونالد ريغان هو انه يعرف ان العالم كما هو ليس واقعا لا يمكن تغييره، والاجحاف الموجود فيه ليس ظاهرة طبيعية.

اوباما ينفر من الفلسفة التي يقوم فيها أي نظام بالدوس على الضعفاء واعتبار ذلك طبيعيا وشبه مثالي. وهو يعتقد العكس: النظام القائم بربري ومن الواجب تغييره بقوة الرغبة والتمسك بمبادئ العدالة. والعدالة بالنسبة له ليست طوباوية خيالية وانما شيئا عمليا جدا وقابلا للتحقيق.

خريج كولومبيا وحامل درجة القانون من هارفرد لم يذهب لجني المال مثل نتنياهو واولمرت ولم يقض كل حياته في الاجهزة الحكومية والحزبية مثل بيريز. لقد اختار الاكتفاء بمستوى حياة على حدود الفقر وان يكون "منظما" اجتماعيا. ليس مجرد عامل جماهيري يسعى للتخفيف من المعاناة وانما شخصا "ينظم" غبار الانسان ويحوله الى قوة اجتماعية ويجمع شتات الافراد المنبوذين المعرضين للقمع، وهم اشخاص لا تستطيع حتى النقابات المهنية الوصول اليهم لانهم لا يعملون. وفي احياء الفقر في شيكاغو تعلم اوباما ان من الممكن الحصول على الانجازات فقط من خلال تجميع القوة واستغلالها بصورة ذكية. ويحدونا الامل بان يتصرف على هذا النحو في الساحة الدولية ايضا.

ان لم يحدث قريبا شيء دراماتيكي ستشهد علاقات الولايات المتحدة واسرائيل انعطافة تتلاءم مع الروح الجديدة في البيت الابيض. لا يمكن لاوباما ان يدع حكومة نتنياهو – ليبرمان – باراك تخادعه وتناوره. جورج بوش ايضا لم يكن احمقا وادرك ان الاسرائيليين يتحايلون عليه الا ان هذا التكساسي شارك في اللعبة عن طيب خاطر، فقد كان اليمين الإسرائيلي المحافظ المدمن على الرأسمالية الهوجاء قريبا من قلبه، كما أن  حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الانسانية ونهب اراضيهم لم يقلقه او يقض مضجعه. وفي المقابل سيكون من الصعب على اوباما ان يبيع الفكرة القائلة بانه ليست هناك فقط امكانية وانما ايضا ليست هناك حاجة لتغيير الواقع في المناطق. ومن المنطقي الافتراض ان رجل القانون اللامع قد ادرك منذ زمن بان الادعاء الاسرائيلي الحقيقي يرتكز على الافتراض بان للشعبين حقوقا متكافئة ربما ولكن ليس على نفس الامور: هذا النهج المحافظ القديم الذي كان دائما محببا لكل العنصريين تمخض عن الليبرمانية وهي الان اساس الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي.

ان كان هناك اليوم في الغرب سياسيون يتسبب هذا الادعاء المترافق بمطلب إسرائيل بالسيادة على البلاد بنفورهم العميق – فالفتى الاسود من هاواي هو واحد منهم.

في حقيقة الامر، ادارة اوباما هي ادارة مؤيدة لإسرائيل أكثر من الادارة السابقة لانها تدرك حقيقتين اساسيتين: اولا ان المصلحة الإسرائيلية ليست متماثلة فقط مع المصالح الاستيطانية وانما مخالفة لها، وثانيا لأنه يطالب كل الاطراف بالاعتراف بنهائية الوضع الذي تشكل في ختام حرب الاستقلال.

مغزى هذا المطلب هو ان العرب يتنازلون عن حق العودة بينما تنسحب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في حرب الايام الستة. هذا مبدأ بسيط وعادل ومتكافئ ويقوم على التبادلية. ولم يتبق الان الا تفعيله من دون خوف ومن دون مواربة.