بؤر ساخنة

لم تعد مظاهر التوتر والاحتجاج تقتصر على مسيرات واعتصامات الحراك السياسي والمطلبي في البلاد، وإن كان هذا النمط من الاحتجاج قد شهد ارتفاعا ملحوظا في منسوبه وسقف شعاراته بعد قرار رفع أسعار بنزين "أوكتان 90"، وتنويع الحراكات لأنشطتها واللجوء إلى تنظيم مسيرات ليلية. ففي الأيام القليلة الماضية، شهدت عدة مناطق مظاهر عنف جديدة، سمتها الأساسية تحدي سلطة القانون.اضافة اعلان
بلدة عين الباشا في محافظة البلقاء كانت مسرحا لمواجهات مسلحة، واعتداءات طالت ممتلكات عامة وخاصة، على خلفية جريمة قتل ارتكبها أحد أعضاء التيار السلفي في البلدة. وفي إربد، أقدم محتجون على قرار توقيف مشتبه بهم، على إغلاق الطريق الرئيسة وإشعال الحرائق. وبموازاة ذلك، سُجلت عدة مشاجرات مسلحة في الزرقاء وعمان بين سكان أحياء متجاورة.
لكن أخطر الحوادث كان في لواء الشوبك الذي شهد ما يشبه التمرد، ومحاولة اقتحام منظمة للمركز الأمني ومبنى المتصرفية، على خلفية تصريحات منسوبة لأحد أفراد الشرطة، يقول شبان البلدة إنها تنطوي على إساءة مباشرة لأهل الشوبك. وكادت الأمور تفلت عن السيطرة هناك، وتمتد إلى مناطق مجاورة، رغم محاولات التهدئة وتكثيف التواجد الأمني في البلدة.
لم يعد خافيا أن منسوب الغضب ارتفع عند معظم المواطنين. ويمكن للمرء أن يلمس العلامات على ذلك في سلوك الناس اليومي وتصرفاتهم التي أصبحت تتسم بالحدة والنزق. ويميل المحللون إلى ربط هذا المتغير بالأوضاع الاقتصادية الصعبة للغالبية. وربما يكون لموجة الحر الشديد أثرها أيضا، خاصة على سلوك الفقراء ومتوسطي الدخل العاجزين عن توفير مكيفات في منازلهم أو سياراتهم.
اللافت في الظاهرة بالمجمل، هو تنامي الاستعداد لتحدي سلطة القانون، وتوجيه العنف ضد مؤسسات الدولة.
بتفصيل أكثر، يمكن القول إن فجوة عدم الثقة بين الدولة والمجتمع تتطور بشكل تدريجي إلى حالة عداء، من أبرز أشكالها الميل المتزايد إلى تجاوز سلطة القانون ومكانتها الاعتبارية، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وعدم التردد في مهاجمة المراكز الأمنية ومقرات الحكومة والتهديد باقتحامها.
لم يكن لدى الأردنيين شعور بالخصومة مع الدولة كما هو الحال اليوم. في السابق، كان الناس يصبون غضبهم على مسؤول بعينه، أو حكومة بذاتها؛ لكنهم الآن، وبعد أن فقدوا الثقة بالحكومات والبرلمانات وحتى المعارضة التقليدية، أصبحوا راديكاليين بحق، وفي مزاج عدائي إزاء كل مظاهر السلطة، لا يرون قيمة لأي إنجاز مهما كان، ومتشككين في أي قرار حتى لو كان قرار زيادة الرواتب، وإن كان الأمر غير مطروح بالطبع.
في سنوات مضت، كانت "البؤر الساخنة" في البلاد محددة ومعروفة، وبمجرد وقوع حادث في إحداها تجد قوات الأمن متمركزة فيها. أما "بؤر" الحراك السياسي فهي في العادة مجمع النقابات المهنية في عمان وفروعه في المحافظات، وهي دائما تحت السيطرة. وما عدا ذلك كانت محافظة مثل معان مصدرا للمتاعب يكاد يكون الوحيد في الأردن. الأمور تغيرت الآن، فكل بقعة صارت مرشحة لأن تكون بؤرة ساخنة، لا بل ومع هذا المزاج السلبي صار كل مواطن أردني بؤرة ساخنة.

[email protected]