باكستان أسامة بن لادن

براهما تشيلاني*

لا شك أن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في هجوم شنته طائرات هليكوبتر تابعة لقوات أميركية خاصة على قصر فخم بالقرب من إسلام أباد، يعيد إلى الأذهان اعتقال العديد من زعماء القاعدة الآخرين في مدن باكستانية. ومرة أخرى، يتبين لنا أن الملاذ الحقيقي للإرهاب لا يقع على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان والهند، بل في قلب باكستان.اضافة اعلان
وهذا بدوره يؤكد حقيقة جوهرية أخرى، مفادها أن إحراز النصر في الكفاح الدائر ضد الإرهاب الدولي أمر مستحيل من دون تجريد باكستان من صبغتها العسكرية ونزعتها الراديكالية، بما في ذلك إعادة التوازن إلى العلاقات المدنية-العسكرية هناك، وكبح جماح جهاز الاستخبارات الباكستاني المارق.
إن العديد من زعماء الإرهاب الذين أُسروا في باكستان منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 -ومنهم خالد شيخ محمد، الرجل الثالث في تنظيم القاعدة؛ وأبو زبيدة، رئيس عمليات الشبكة؛ وياسر الجزيري؛ وأبو فرج؛ ورمزي بن الشيبة، أحد منسقي هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)- تم العثور عليهم أيضاً بينما كانوا يعيشون في مدن في مختلف أنحاء باكستان. وإن كان الأمر ينطوي على أي مفاجأة فيما يتصل بمخبأ ابن لادن، فهي موقعه في مدينة عسكرية، أبوت أباد، على مقربة من أكاديمية تابعة للجيش.
وهذا يؤكد على الحماية الشديدة التي حصل عليها ابن لادن من جانب عناصر منتمية إلى المؤسسة الأمنية الباكستانية لمساعدته في الإفلات من محاولات الاصطياد التي دبرتها له الولايات المتحدة طيلة ما يقرب من عقد من الزمان. ولم تتحقق طفرة حقيقية في ملاحقته إلا بعد أن قررت الولايات المتحدة، في مخاطرة بتمزيق علاقاتها الطويلة مع الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية، نشر عدد من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية وقوات العمليات الخاصة ومتعاقدين في قلب باكستان من دون علم المؤسسة العسكرية الباكستانية.
في السنوات الأخيرة، ومع أسر أو قتل كبار قادته وتحصن ابن لادن في باكستان، خسر تنظيم القاعدة المنقسم القدرة على شن هجمات دولية كبرى أو تحدي مصالح الولايات المتحدة صراحة. وبعد وفاة ابن لادن فمن المرجح أن تذوى "القاعدة" كتنظيم.
غير أن الأيديولوجية الخطيرة التي تبناها التنظيم من المتوقع أن تظل قائمة، وأن تستمر في تحفيز جهات فاعلة غير حكومية بدعم من بعض الدول. والواقع أن مثل هذه العناصر هي التي سوف تمتلك القدرة على شن هجمات إرهابية دولية كبرى، مثل هجمات مومباي في العام 2008. وحتى في أفغانستان، سنجد أن العدو العسكري الرئيس للولايات المتحدة هناك ليس تنظيم القاعدة بل حركة طالبان التي عادت إلى الحياة من جديد، والتي تتمتع بملاذ آمن في باكستان.
ولهذا السبب، بات من المرجح أن تتجه الأضواء الآن نحو الشبكة الإرهابية داخل باكستان، والدور الذي تلعبه الجهات الفاعلة التابعة لدول بعينها أو غير التابعة لدول، وعلاقتها بهذه الشبكة.
عندما أحكمت وكالة الاستخبارات الأميركية الحلقة حول ابن لادن، رَبَط رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الأدميرال مايك مولين، علناً وللمرة الأولى بين المؤسسة العسكرية الباكستانية وبعض المسلحين الذين يهاجمون القوات الأميركية في أفغانستان. وقد استمرت الميليشيات الإسلامية التي نشأت داخل باكستان في العمل علنا، وظل قادة الجيش الباكستاني وكبار رجال الاستخبارات كارهين لقطع علاقاتهم الحميمة مع العناصر المتطرفة والإرهابية.
والواقع أن باكستان تشكل تحدياً عصيباً بشكل خاص بالنسبة للولايات المتحدة. فعلى الرغم من تزويد باكستان بنحو عشرين بليون دولار منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في هيئة مساعدات ترمي إلى مكافحة الإرهاب، فإن أي مساعدة تلقتها الولايات المتحدة من باكستان كانت على مضض في أفضل تقدير، أو كانت على سبيل التعاون المزدوج في أسوأ تقدير. واليوم، وفي خضم موجة متزايدة الارتفاع من معادة أميركا، بدأت السياسة الأميركية في التعامل مع باكستان تتكشف بسرعة. ولكن باكستان، صاحبة واحدة من أدنى نسب الواردات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، أصبحت أكثر اعتماداً على المساعدات الأميركية من أي وقت مضى.
وحتى مع تهليل الأميركيين وابتهاجهم لمقتل ابن لادن، فإن حكومة الولايات المتحدة لابد وأن تدرك أن سياستها الفاشلة في التعامل مع باكستان كانت سبباً في تحويل تلك الدولة إلى الملاذ الرئيس للإرهاب في العالم. وبدلاً من المساعدة في بناء مؤسسات مدنية قوية هناك، دأبت الولايات المتحدة على تدليل المؤسسة العسكرية الباكستانية المخترقة من قِبَل الجهاديين، ولا أدل على ذلك من حزمة المساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها ثلاثة بلايين دولار والتي من المقرر أن تحصل عليها باكستان في العام المالي المقبل. وبعد إرغام الديكتاتور برويز مشرف على ترك منصبه، أمرت الحكومة المدنية الباكستانية الجديدة جهاز الاستخبارات الباكستاني برفع تقاريره إلى وزارة الداخلية، ولكنها لم تتلق أي دعم من الولايات المتحدة لتعزيز هذه الجهود لتأكيد السيطرة المدنية، الأمر الذي سمح للجيش بإحباط هذه الجهود بسرعة.
بعد أن تقلد منصبه رئيساً للولايات المتحدة، قرر أوباما زيادة القوات العسكرية الأميركية في أفغانستان. ولكنه في باكستان قرر زيادة المساعدات، الأمر الذي جعل من باكستان الدولة الأكبر تلقياً للمساعدات الأميركية، حتى على الرغم من استمرار فلول طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة في الاحتماء بباكستان. ولم يسفر هذا إلا عن تعميق تورط الولايات المتحدة في الحرب الخاطئة وتشجيع باكستان على تسمين طالبان الأفغانية، على الرغم من استمرار الهجمات الأميركية في إضعاف تنظيم القاعدة بشدة.
ويتعين علينا أن نتنبه إلى أن آفة الإرهاب الباكستاني تنبع في المقام الأول من الجنرالات العسكريين وليس من الملالي. ذلك أن الجنرالات الذين يطلقون على أنفسهم وصف العلمانيين هم الذين تعهدوا القوى الجهادية بالرعاية وتبنوا طالبان، وعسكر طيبة، وميليشيات جلال الدين حقاني، وغير ذلك من الجماعات. ورغم ذلك، نجح هؤلاء الجنرالات من خلال تمرير اللائمة عن سياستهم المحابية للإرهاب إلى الدُمى من الملالي، في إقناع الولايات المتحدة بأن المفتاح إلى حل المعضلة يتلخص في احتواء دُمى المؤسسة الدينية، وليس محركي الدُمى.
والواقع أن هبوط باكستان إلى السرداب الجهادي لم يحدث تحت حكم مدني، بل في ظل حاكمين عسكريين مستبدين، الأول عمل على رعاية القوى الجهادية وإطلاق العنان لها، والثاني قاد بلاده إلى حافة الهاوية.
ومن دون إصلاح الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية فلن نرى نهاية للإرهاب العابر للحدود الوطنية، ولن نرى أي بناء حقيقي للدولة في باكستان. فكيف يتسنى لباكستان أن تصبح دولة "طبيعية" إذا ظل جيشها واستخباراتها بمعزل عن الإشراف المدني، وظلت السلطة الحاسمة بين أيدي الجنرالات العسكريين؟
الآن، وبعد وفاة ابن لادن، فإن الوسيلة الوحيدة التي قد تتمكن بها القاعدة من إعادة بناء نفسها هي أن تنجح المؤسسة العسكرية الباكستانية في إعادة تثبيت نظام وكيل في أفغانستان. وإلى أن تنكسر قبضة المؤسسة العسكرية الباكستانية المحكمة على السلطة، ويتم خفض حجم الاستخبارات الباكستانية، فمن المرجح أن تظل باكستان نقطة انطلاق للتهديد الإرهابي الذي يواجه العالم اليوم.
*أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات بنيودلهي.
خاص بـ "الغد" بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت.