بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تركيا الآن ليست أكثر من شريك معاملات

رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، مع الرئيس التركي إردوغان قبل اجتماع للمجلس في بروكسل – (أرشيفية)
رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، مع الرئيس التركي إردوغان قبل اجتماع للمجلس في بروكسل – (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يافوز بايدار* - (ذا أراب ويكلي) 2/7/2018

شراكة أنقرة مع عواصم الاتحاد الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي ستكون قائمة على قضايا الأمن، والاستقرار والتجارة، والتي لا تتضمن أي منها التزاماً بـ"القيم" الأوروبية.

اضافة اعلان

*   *   *

يبدو أن اللعبة الطويلة -مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي- قد أتت أخيراً إلى نهايتها بشكل أو بآخر. 

كان هذا من التداعيات الرئيسية للانتخابات التي أجرتها تركيا يوم 24 حزيران (يونيو)، والتي انتهت إلى إضفاء الطابع المؤسسي على عملية الـ"أوتوغلوب" autogolpe المطولة التي أدارها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

"أوتوغلوب" هو مصطلح نُحِت في أميركا الجنوبية ليشير إلى شخصنة السلطة عن طريق "الانقلاب-الذاتي". وفي تركيا، تم تحقيق هذا المفهوم بالكامل.

لم تكن الأصوات التي ذهبت إلى أحزاب المعارضة كافية لفرض الضوابط على تحرك إردوغان نحو التمتع بسلطات كاسحة، وإيقاف مسيرة العودة إلى الأعراف الديمقراطية إلى أجل غير مسمى.

الآن، أصبح مصير تركيا معلقاً على عاتق حاكم واحد؛ يدعمه تحالف إسلاموي-قومي قوي، والذي يوصف أحياناً بأنه "تركيبة تركية-إسلامية"، ويصفه البعض بأنه نسخة إقليمية من الفاشية. ويقول آخرون إنه ببساطة "حكم رئاسي فوق-طبيعي".

مهما يكن ما يحدث على هذه الجبهة، فإن هناك نقطة واضحة تمام الوضوح: كانت الحكومة التركية تنزلق بوصة بعد بوصة مبتعدة عن معيار كوبنهاغن -مجموعة القواعد التي تحدد أهلية البلدان لكسب عضوية الاتحاد الأوروبي.

وتؤشر حالة الطوارئ التي فُرضت على البلد بعد الانتفاضة الفاشلة في 15 تموز (يوليو) 2016، على افتقار أنقرة إلى الالتزام بشروط عملية الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وبعد كل شيء، يتطلب معيار كوبنهاغن أن تكون لدى الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي تلك المؤسسات التي تحافظ على الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان.

كانت الانتخابات التركية الأخيرة بمثابة المسامير الأخيرة التي دُقت في نعش مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وكما يقول بعض المراقبين، فإن تركيا لم تعد الآن في مدار الاتحاد الأوروبي. ثمة نظام جديد يؤسس نفسه في آسيا الوسطى، والذي لا يستطيع أن يتصالح مع المعايير الأوروبية. كما لم يعد إردوغان وتحالفه الحاكم ينطوون على أي اهتمام بعضوية الاتحاد الأوروبي بدورهم أيضاً.

في تصريح سريع وصريح إلى حد غير متوقع، أكد مجلس الاتحاد الأوروبي كل المذكور أعلاه. وقال في بيان: "يلاحظ المجلس أن تركيا كانت تتحرك مبتعدة عن الاتحاد الأوروبي... ولذلك توقفت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد فعلياً، ولم يعد بالإمكان النظر في فتح أو إغلاق أي فصول جديدة، كما أنه لا مزيد من العمل نحو تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي في المدى المنظور".

لا يعني هذا ما يفترق كثيراً عما يبدو أنه يقوله. إنه في الأساس ينهي "الهمهمة" المستمرة منذ وقت طويل، وسياسات الاسترضاء وإغماض العينين عندما يتعلق الأمر بطلب تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي الحقيقة، قامت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل بخفض مكانة تركيا، لكل الغايات العملية، من شريك مفاوض إلى مجرد شريك معاملات.

وهكذا، يقول بيان الاتحاد للأتراك: انسوا أمر العضوية تحت هذه الظروف. كما يقول بالدرامية نفسها التي تثير حنق أنقرة: يفضل أن تنسوا أمر تحديث الاتحاد الجمركي أيضاً.

ما الذي يعنيه بيان الاتحاد الأوروبي؟ إنه يعني بكل وضوح أن بروكسل قرأت هيكلية النظام الجديد، الذي يفترض أن تكون الانتخابات التركية قد أضفت عليه الشرعية، وخلصت إلى أن الحقبة التي هيمنت عليها العقيدة الكمالية قد انتهت.

سوف تكون هذه، "الجمهورية التركية الرابعة"، في حالة تجاهل حتى للحد الأدنى من المعايير الديمقراطية، أو هذا ما يعتقده الاتحاد الأوروبي على الأقل. وحتى الآن، كانت كل جمهورية تركية سابقة -في 1924، عندما تم تبني الدستور؛ وفي 1961 و1980 بعد الانقلاب العسكري- كانت قد سعت إلى الاحتفاظ ببعض المعايير الديمقراطية. ولكن في الجمهورية الرابعة، هناك غياب مدهش لفصل السلطات ووضع الضوابط والتوازنات وسيادة حكم القانون.

مع ذلك، ما يزال الاتحاد الأوروبي يقول إن تركيا تظل "شريكاً رئيسياً". ويعني هذا أن علاقة أنقرة مع عواصم الاتحاد الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي سوف تكون علاقة معاملات. وسوف تكون قائمة على قضايا الأمن والاستقرار والتجارة، التي لن تتضمن أي منها التزاماً بـ"القيم" الأوروبية. ولدى الطرفين مصلحة في إبقاء قيمة التجارة عالية، وبذلك لن يكون من المتوقع من أنقرة أن تقوم بإلغاء الاتحاد الجمركي من جانب واحد.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى يد إردوغان الحديدية لكبح تدفق اللاجئين إلى دوله. بل إن هذه القضية أصبحت أكثر أهمية الآن، خاصة مع إمكانية أن يؤدي تصاعد القمع المحلي إلى التسبب بموجة جديدة من اللاجئين من المواطنين الأتراك أنفسهم.

سوف يظل موضوع مكافحة الإرهاب مهماً أيضاً، ويمكن توقع أن تستثمر العواصم الأوروبية في المزيد من التعاون الأمني مع إدارة إردوغان على هذا الصعيد.

ومع ذلك، ليست هناك أي نقطة في النظر إلى الحقبة الجديدة على أنها ستكون أقل توتراً. وسوف يتطلب الأمر من كل المنخرطين التعامل مع إدارة الغضب وسياسة حافة الهاوية. ولعل لدى جمهورية تركيا الرابعة سمة واحدة واضحة تماماً: أن الكوادر المسيطرة في جهاز الدولة هي معادية للغرب بشدة، وهو ما تعكسه أقوالهم وأفعالهم. ولذلك، يمكننا أن نتوقع المزيد من التشدد في الأوقات المقبلة.

 

*كاتب عمود تركي كبير، ومحلل أخبار. عضو مؤسس في منصة للصحافة المستقلة في إسطنبول، وكان يغطي شؤون تركيا ويراقب قضايا الإعلام منذ العام 1980. وهو حائز على جائزة الصحافة الأوروبية في العام 2014، وهو فائز أيضاً بجائزة "جورناليستنبرس" الألمانية للعام 2018.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: For the EU, Turkey is now only a transactional partner. Period 

[email protected]