بانتظار "المولود"!

تتجه الأحزاب اليسارية والقومية، باستثناء حزب الوحدة الشعبية، إلى المشاركة في الانتخابات. والأحزاب الوسطية بأسرها ستشارك، تتقدمها أحزاب يُتوقّع أن تكون الأكثر قدرة على المنافسة؛ التيار الوطني، والجبهة الموحّدة، وحزب الوسط الإسلامي، فيما ما تزال عملية تكوين تحالفات وقوائم وطنية بين الأحزاب المختلفة في طورها الأوّلي غير واضحة في معالمها الأخيرة.اضافة اعلان
على الطرف الآخر، تسعى شخصيات ونخب سياسية إلى اختبار فرصة تشكيل قوائم وطنية، سواء كانوا وزراء سابقين، أو نخبا مثل المتقاعدين العسكريين وشخصيات محسوبة على ما يسمى بـ"اليسار الوطني"، وشخصيات قريبة من حركة فتح، ومجموعات شبابية. ومن الواضح أنّ هنالك تشجيعاً رسمياً لبعض هذه الاتجاهات والشخصيات بهدف إقناع الناخبين بوجود "ألوان" سياسية مختلفة، ولضمان نسبة تصويت كبيرة.
يبدو دور رجال الأعمال أكثر وضوحاً في الانتخابات الحالية؛ فهنالك من أسّس حزباً ويحاول إقناع شخصيات سياسية لها حضورها الإعلامي والجماهيري بالمشاركة، وهناك من يريد أن يكتفي برعاية قوائم وطنية أو مرشحين للحصول على "حصته" في مجلس النواب القادم.
المشكلة لا تتمثّل في مشاركة رجال الأعمال في الانتخابات، فهذا مطلوب وطبيعي، لكن ما ليس طبيعياً أن يحدّد رجل الأعمال القائمة والطرح السياسي، بدلاً من أن يدعم من يعتقد أنه يمثّل مصالحه السياسية والاقتصادية، فتتشكّل القائمة تبعاً لـ"من يدفع"، لا على أساس البرامج.
عملية تشكيل القوائم، المحسوبة على رجال الأعمال، تعتمد بدرجة رئيسة على عملية استقطاب لمن يتوقعون أنّهم يمتلكون شعبية أو جماهيرية من الأسماء، بدون النظر في مدى تجانس القائمة أو تفاهمها على الرؤى والأفكار، وكأنّنا في "مزاد انتخابي"، لا منتدى للأفكار والرؤى السياسية!
المفارقة تتبدّى، هنا، في أنه في الوقت الذي يُخشى فيه من أن يظلّل "المال السياسي" سمعة الانتخابات، وأن يكون العامل الرئيس في تكوين القوائم وترتيب الأسماء فيها (وهو الموضوع الأكثر أهمية، طبعاً لطبيعة قانون الانتخاب الحالي)، في هذا الوقت تشكو الأحزاب والقوى الصاعدة المشارِكة من عدم قدرتها على توفير نفقات للحملات الانتخابية لمشروع القائمة الوطنية. وما يعزّز هذا الهاجس أنّ القوائم الوطنية تحتاج إلى نفقات كبيرة في التواصل مع الناس وفي الدعايات الانتخابية والحملات الإعلامية، والتي تشكّل أحد أهم العوامل في انتشار القوائم ونجاحها.
المعضلة الأخرى تتمثّل في ترتيب الأسماء الأولى من كل قائمة. إذ ضمن المعطيات الأولية، من المتوقع ألا تتجاوز أغلب القوائم المتنافسة وصول مرشح أو اثنين إلى قبة البرلمان، ما يجعل أحد أبرز التحديات تشكيل القائمة ذاتها، ويمثّل معوقاً حقيقياً لبروز قوائم كبيرة وقوية؛ فلا نكون أمام خريطة "فسيفسائية" متشظية من القوائم الانتخابية، تنتهي إلى مجلس مكوّن من أفراد لا كتل نيابية كبرى وقوية، يمكن أن تشكّل رافعة لفكرة "الحكومة النيابية".
مرحلة ما بعد العيد إلى نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ستكون حاسمة في هذا المخاض الأوّلي باتجاه تحديد حجم القوائم المتنافسة، وأبرزها، وطبيعة التحالفات والتكتلات المتوقعة. وإذا كانت الدولة تنتظر "مولوداً" مختلفاً عن هذا السيناريو، فإنّ عليها منذ الآن التفكير في التغلب على مشكلة "النفقات المالية" للمساعدة على تشكيل قوائم وطنية من القوى السياسية، والتغلب على سطوة المال السياسي. ويمكن ذلك عبر فتح الإعلام الرسمي بصورة عادلة ومتوازنة للقوائم المتنافسة.
غياب الإخوان سيحرم المجلس القادم من كتلة كبيرة تشغل مقعد المعارضة، لكن المخاض الأوّلي لصورة القوائم، سيحرم المجلس من أيّ كتلة نيابية كبيرة، سواء في الموالاة أو المعارضة، بقدر ما سنجد عيّنات من الألوان المختلفة في المشهد!

[email protected]