بدران يتحدث عن أول أيام تأسيس دائرة المخابرات العامة

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". (تصوير: محمد ابو غوش)

 

*بعد تأسيس المخابرات العامة دققنا في فترة رئاسة وصفي التل 70 ألف "إضبارة"... وحرقها رئيس الوزراء بيديه 

*اتبعنا في التحقيق أساليب تتسم بالحرفية العالية والمهنية.. ولم نعتمد الضرب لانه يوصلك لغير الحقيقة

*المباحث العامة أسست وحضّرت لقيام "المخابرات العامة" وكان معنا فريق من الضباط أصحاب الكفاءة

*كسبت قضية امام المحامي المشهور حنا ندة ففكرت بترك الجيش وفتح مكتب محاماة قبل ان اختط طريقي الوظيفي

 *تسلمت موقع مساعد المدير للشؤون الخارجية عند تأسيس المخابرات العامة وصرت مديرها العام 1968  

 

 

محمد خير الرواشدة

عمان- يبدأ رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليوم، الحديث عن أول أيام تأسيس دائرة المخابرات العامة، من خلال مكتب التحقيقات السياسية، ودائرة المباحث العامة.اضافة اعلان
ويستكمل بدران في حلقة اليوم، من سلسلة حلقات "سياسي يتذكر" مع "الغد"، مشواره المهني، وانتقاله من عمله في القوات المسلحة كمشاور عدلي، إلى قصر العدل كمحامي دفاع عن قضايا القوات المسلحة، قبل أن يبدأ العمل في مكتب التحقيقات السياسية.
ويؤكد بدران ان مكتب التحقيقات السياسية، الذي تطور عمله إلى دائرة المباحث العامة، هو ما أسس من هناك لدائرة المخابرات وصياغة قانونها.
وكان بدران قد تحدث في حلقة أمس، من "سياسي يتذكر"، عن مرحلة دخوله إلى الأمن العام، برتبة ملازم أول، وانتقاله للعمل في الجيش العربي، مشاورا عدليا، بعد ضم الأمن العام مع القوات المسلحة، وأول اشتباك له مع رئيس هيئة الأركان (حينها) صادق الشرع.
كما وصف بدران زيارته الأولى للقدس مع وفد الكشافة المدرسية، في العام 1949، ومشاعر الطلبة التي اختلطت في تلك اللحظات، بعد النكبة الفلسطينية، خصوصا أن الزيارة جاءت بعد أن تأثر سكان محافظة الكرك بالحرب مع إسرائيل، والاعتداء على مخفر غور الصافي، وتشييع جثامين الشهداء.
ويكشف بدران اليوم، بأنه فكر في أن يستقيل من الجيش، ويعمل محاميا، بعد أن اكتسب خبرة قانونية مهمة، في عمله بقصر العدل، محاميا لقضايا القوات المسلحة، وذلك بعد أن استأذن رئيس هيئة الأركان، بان يقوم بالدفاع والترافع عن الجيش العربي، في قضاياه، بحيث يكون المحامي أحد ضباط الجيش.
بدران فكر جديا بفتح مكتب خاص للمحاماة، بعد أن عرضت عليه شراكات مع محامين مشهورين في مكاتبهم، بعد نجاحه في العمل محاميا في قصر العدل.
ويؤكد بأن ذلك جاء بعد أن كسب قضية مهمة، أمام خصمه المحامي المشهور وقتها حنا نده.
ويعيد التأكيد اليوم، على أن دائرة المباحث العامة أسست المخابرات العامة، وهي من أعدت قانون الدائرة، حيث بدأ يشعر بأن هذا المكتب سيكون له الدور الأهم في التحقيق بمجموعة المؤامرات، التي كانت المملكة تتعرض لها.
ويكشف عن أبرز ملامح عمل دائرة المباحث العامة، في التحقيق مع شخصيات سياسية وعسكرية، خططت لتنفيذ محاولات انقلاب عسكري، واغتيال الملك الحسين بن طلال، رحمه الله.
ويستكمل حديثه اليوم عن تأسيس دائرة المخابرات العامة، بعد أن قام فريق المحققين بتدقيق الملفات، وحرقها بعد استدعاء رئيس الوزراء الشهيد وصفي التل، ليقوم بحرقها بنفسه.
ويشير بدران إلى أنه تسلم موقع مساعد المدير للشؤون الخارجية، مع تأسيس المخابرات العامة، التي كانت تشمل ملفات مراكز الحدود والمطارات والأجانب المقيمين في المملكة، فيما كان مساعد المدير للشؤون الداخلية أديب طهبوب، وكان الاثنان برتبة مقدم.
كما يشير إلى تسلمه إدارة جهاز المخابرات العامة العام 1968، حيث كان يحمل رتبة زعيم (عميد).
وفي سياق متصل، يؤكد مدير المخابرات الاسبق، بأن أسلوب التحقيق المتبع وقتها في الدائرة، كان اسلوبا مهنيا فنيا، ويشير هذا الأسلوب، حسب بدران، إلى أن الضرب لا يستخدم للوصول إلى الحقيقة، فهو يوصلك كمحقق إلى غير الحقيقة، وكانت هذه النظرية ثابتة ومن أساسيات العمل.
ويؤكد، على هذا الصعيد، بأن دائرة المخابرات كانت تحقق مع شخصيات سياسية، لها احترامها العلمي والسياسي والاجتماعي، وهو ما يجعل فكرة الإساءة لشخصيات لها احترامها الاجتماعي، امرا مستبعدا.
ويوضح بأن السنوات الأولى لتأسيس الجهاز، أخذت وقتا، في تطوير عمل دائرة المخابرات، من حيث قدرتنا على زراعة وخلق مصادر المعلومات في الدول، التي يهمنا أمرها، ونخشى على انفسنا منها، مثل سورية ومصر ولبنان في ذلك الوقت.

وفيما يلي نص الحلقة الرابعة:

*كنا بدأنا الحديث عن أولى مهامك في الجيش العربي، وكنت مشاورا عدليا، هل بقيت في هذه المهمة، حتى انتقلت إلى مكتب التحقيقات السياسية؟
-لا؛ في العام 1962 استأذنت من رئيس هيئة الأركان، لأذهب محاميا عن قضايا القوات المسلحة في قصر العدل، وذلك بدلا عن النائب العام، واقترحت أن يدافع الجيش العربي عن قضاياه ويكون المحامي عنه أحد ضباط الجيش، فوافق، فقد كانت كل القضايا الكبيرة في الأردن هي قضايا للقوات المسلحة، لأن الجيش كان هو المعني بكل شؤون البلد، حتى التنموية منها.
فوافق رئيس هيئة الأركان وتم تعديل القانون ليسمح للنائب العام بانتداب أحد الضباط الحقوقيين للدفاع والمرافعة عن القضايا المدنية التي تخص القوات المسلحة.
وفعلا انتدبت إلى قصر العدل، وتم تخصيص مكتب لي، وكنت أذهب لعملي هناك باللباس العسكري، وكنت أحمل وقتها رتبة رئيس، أي ما تعادل رتبة النقيب في هذه الأيام، وأخذت معي من القوات المسلحة كادرا للمكتب، كان يشتمل على طابع ومراسل عسكري، وبدأت بالعمل فعلا.
وأذكر بأن وزير العدلية في تلك الأيام، اسمه حنا خلف وكان من رام الله، وفي أول زيارة له لقصر العدل، بعد أن تم تخصيص مكتب لي، زارني من دون أي ترتيب مسبق، وفوجئ بتنظيم الملفات وترتيب العمل، فذهب إلى رئيس قصر العدل، وكان رئيس محكمة الاستئناف حسن الكايد، وطلب منه أن يتبع ذات اسلوب التنظيم في مكتبي الصغير، وصار في كل زيارة له إلى قصر العدل يأتي ويشرب القهوة عندي، ثم يذهب لمتابعة عمله، طبعا أثار ذلك الموقف حساسية مَن في قصر العدل ضدي، لكني لم أعط الموضوع أي وزن أو اهتمام.
وهناك اكتسبت خبرة قانونية مهمة، لأني وضعت حدا لكل الوقت المهدور في جلسات القضايا الكبيرة، التي كانت تعاني من مشكلة التأجيل والتباطؤ في إصدار الأحكام، وبالفعل لم أخسر أيا من تلك القضايا، التي دافعت فيها عن موقف القوات المسلحة القانوني.
في تلك التجربة تبادر إلى ذهني أن أزيد من خبرتي كمحام، ثم فكرت أن أقدم استقالتي من الجيش، وأفتح مكتبا خاصا وأعمل في المحاماة، وقد عُرضت عليّ وأنا في عملي شراكات مع محامين مشهورين في مكاتبهم، لكني رفضت.
وفعلا، كان هذا بعد أن ترافعت عن قضية مهمة، وكان خصمي فيها المحامي المشهور وقتها حنا نده، وقد استغللت ورقة في القضية، لم ينتبه لها أحد غيري، وعندما أبرزتها في الجلسة أصدرت هيئة المحكمة حكما لصالحي فورا.
وما كانت الفكرة لتختمر في عقلي، بعد عام من انتدابي، حتى صدرت أوامر ملكية بانتقالي إلى مكتب التحقيقات السياسية.
وهناك دخلت في مجال عمل مختلف وجديد.

*وهل مكتب التحقيقات السياسية هو من أسس دائرة المخابرات العامة؟
-لا؛ من أسس المخابرات العامة هي دائرة المباحث العامة، وهي من أعدت قانون الدائرة، صحيح أننا كنا كمجموعة ضباط، متواجدين في المواقع الثلاثة، وكان المسؤول عنا محمد رسول الكيلاني، لكن لكل موقع اختصاصاته.
فقد كنا مع الكيلاني، أنا وهاني طبارة وأديب طهبوب وأحمد عبيدات وطارق علاء الدين.
ومن هناك، بدأنا نشعر بأن هذا المكتب سيكون له الدور الأهم في التحقيق بمجموعة المؤامرات، التي كنا نتعرض لها في الأردن، فقد كان النظام هدفا للاغتيال في أكثر من حادثة وموقف.
وكان أغلب عملنا الذي نقوم به هو التحقيق مع شخصيات سياسية وعسكرية، خططت لتنفيذ محاولات انقلاب عسكري واغتيال الملك الحسين رحمه الله.
كان رئيس فريق التحقيق دائما هو محمد رسول الكيلاني، وقليلا جدا ما كنت أحضر التحقيقات.
في تلك المرحلة، عادة ما يختار ابو رسول (الكيلاني) أديب طهبوب وأحمد عبيدات لمرافقته في التحقيق مع تلك الشخصيات، وأحيانا كان يأخذ معه جميع فريق المكتب، أما مكان التحقيق فهو السجون، التي يوقف بها المتهمون على خلفية التهم الموجهة لهم.
كان التحقيق في تلك القضايا عادة ما يكون ليليا، وليس في ساعات النهار، ولا أذكر بأننا عملنا على ملفات كثيرة، فبالكاد عملنا على اربع قضايا مهمة فقط.
لم نمكث طويلا في عملنا في مكتب التحقيقات السياسية، فبعد عام تقريبا، انتقلنا لدائرة المباحث العامة، التي أسست فعلا، وحضّرت لتأسيس دائرة المخابرات العامة، وكان معنا ذات الفريق من الضباط أصحاب الكفاءة العالية الذين أسميتهم لك.
وفي عام 1965 أنشئت دائرة المخابرات العامة بقانون، وقبل حرب العام 1967 ذهبت أنا وثلاثة ضباط إلى لندن، وكنا في دورة مخابرات، وهم الزملاء هاني طبارة ورجائي الدجاني وطارق علاءالدين.
في تلك الأيام، وبعد تأسيس دائرة المخابرات العامة، كان رئيس الوزراء وصفي التل، وكانت دائرة المباحث العامة، تعج بالملفات، المليئة بالتقارير التي عادة ما كان يكتبها (المخبر صادق)، واستطعنا بمدة زمنية تدقيق تلك الملفات، وتنظيف نحو 70 ألف (إضبارة)، من تلك الملفات، ودعونا وصفي رحمه الله لحرقها، وكان حدثا مهما في ذلك الوقت.
من هناك بدأ العمل المتعب، فقد كانت جهودنا موزعة على نوعين من العمل، الأول التأسيس لدائرة المخابرات وجهازها الأمني، والثاني كان مشقة العمل اليومي ومتابعة أبرز القضايا الخطرة على أمن البلاد واستقرار النظام السياسي.
مع تأسيس المخابرات العامة، تسلمت موقع مساعد المدير للشؤون الخارجية، التي كانت تشمل ملفات مراكز الحدود والمطارات والأجانب المقيمين في المملكة، وكان مساعد المدير للشؤون الداخلية أديب طهبوب، وكنا برتبة مقدم.
وعندما تسلمت العام 1968 منصب مدير المخابرات، كنت أحمل رتبة زعيم (عميد).
قبل ذلك كانت القضايا التي نتعامل معها كلها تتعلق بأمن الملك، والمؤامرات الكبرى، التي تتعرض لها المملكة، وكان موسم عملنا دائما ما يكون في الأعياد، عندما تنشط محاولات اغتيال الراحل الحسين، خلال صلاة العيد، أو عند مصافحته للناس.
طبعا كنا نعرف بأن بعض تلك المحاولات ليس جادا، لكننا لا نستطيع أن نترك الأمر دون التحقق، والتأكد من تلك المحاولات، لأن العمل لا يحتمل أي فتور أو تسيب.
في احدى السنوات، وكنا قبل عيد الفطر بيوم أو اثنين، بدأنا التحقيق مع شخص كان يخطط لمحاولة اغتيال الملك، بقنبلة يدوية، وبدأنا التحقيق معه بالليل، واستمر التحقيق حتى أذان الفجر، فتوقفنا عن التدخين وشرب القهوة، لأن اليوم التالي كان آخر أيام شهر رمضان، واستمر التحقيق معه حتى عصر اليوم التالي.
وبعد القبض على كل الأشخاص المتعاونين معه، وجئنا بهم لدائرة المخابرات العامة، معصوبي الأعين، تعرفت على احدهم، وابلغت ابو رسول بالأمر، فالرجل استاذي في مدرسة جرش، وكان اسمه فؤاد الحمارنة، وهو ينتمي للحزب الشيوعي، وكان استاذا حيويا مع الطلاب، وكان قريبا منا جميعا، وفعلا تعلقنا به لتواضعه وسعة علمه.
طلب مني ابو رسول ان احقق معه، وأخذته فورا وهدأت من روعه، واستكملت التحقيق معه، وطلبت منه أن يغادر إلى منزله، لأن التحقيق لم يأت بأي دليل يدينه أو يجرمه.بعد أن استمر التحقيق لساعات ما قبل فجر أول أيام العيد، اعترف الرجل، صاحب القنبلة، بأنها قنبلة كان يستخدمها لغايات ثقل كفة الميزان، كوزن لا أكثر، وأنه اعترف فقط ليأخذ بعض المال كمكافأة.

*هل كنتم في دائرة المخابرات العامة تتبعون اسلوب التعذيب في التحقيقات الأمنية؟
-بالنسبة لي، لا أذكر بأننا استخدمنا مثل هذا الأسلوب في التحقيقات الخاصة بنا.
لأن الأسلوب الذي كنا نتبعه هو اسلوب مهني فني، وكان يؤكد اسلوبنا بأن الضرب لا يستخدم للوصول إلى الحقيقة، فهو يوصلك كمحقق إلى غير الحقيقة، وكانت هذه النظرية ثابتة عندنا في أساسيات عملنا.
اساليب التعذيب، التي كنا نسمع عنها، ونحن في مكتب التحقيقات السياسية أو المباحث العامة، كانت كلها تتمثل في طلبات غريبة مثل (اقطعوا عنه الصابون أو اقطعوا الكهرباء) لا اكثر.
فكنا لا نضرب لكي لا نصل إلى حقيقة مضللة، لأن التعذيب والضرب قد يأتيان لك باعتراف غير المذنب بذنب لا اتصال له به، وبالنسبة لنا كان هذا يعني بأن المشتبه بهم يسرحون بالخارج، ويخططون لمؤامراتهم التخريبية بينما نحن نحقق مع الشخص الخطأ.
لكن لكي أكون دقيقا، فقد يكون هناك ضباط، من رتب أقل من رتبنا، استخدموا اسلوب الضرب مع متهمين، لكن ذلك كان بالنسبة لنا ممنوعا تماما.
وقلت لك، بأن وفاة أحد الشيوعيين تحت التعذيب، عندما كنا في دائرة المباحث العامة، هو حدث اضطر رئيس الوزراء في وقتها سمير الرفاعي لرفع الأحكام العرفية، بسبب تلك الحادثة.
كما أننا في دائرة المباحث العامة أو دائرة المخابرات العامة كنا نحقق مع شخصيات سياسية لها احترامها العلمي والسياسي والاجتماعي، وما كنا نقبل على انفسنا أن نتبع مثل هذا الأسلوب، مع شخصيات لها احترامها الاجتماعي.
ثم إنك قد تضرب سارقا مثلا، والدليل المادي على سرقته موجود لديك، وأنت تريد بعد ضبطه متلبسا أن يعترف بجريمته، لكن، قل لي كيف تريد أن تعذب سجين رأي، ليعترف برأيه الذي نعرفه نحن عنه أصلا!!.
التطوير في عمل دائرة المخابرات العامة كان له أشكال مختلفة ومهمة، أبرزها كان قدرتنا على زراعة وخلق مصادر المعلومات في الدول، التي يهمنا أمرها، ونخشى على انفسنا منها، مثل سورية ومصر ولبنان في ذلك الوقت.
كما أننا بدأنا ننظم عمل تدفق المعلومات من المصادر، وكشفنا كيف كان بعض السفراء يتعرضون لعمليات ابتزاز من قبل البعض، عندما كانت تأتيهم المعلومات عن محاولات اغتيال مفترضة، ويدفعون مقابل تلك المعلومات.
ونبهنا الجميع إلى أن أي معلومات لها اتصال بأمن الملك والمملكة، يجب أن تكون من خلالنا وليس من خلال الديوان الملكي.
ولهذه الخبرة قصة سأرويها لك، عندما نتحدث عن ليث شبيلات وتهمته السياسية مع يعقوب قرش في العام 1993.
وسأتحدث إليك عن قصة مهمة، وهي نتيجة لم أكن لأتوصل لها لولا خدمتي في دائرة المخابرات العامة، واكتسابي لأهم الخبرات الأمنية فيها.

*لكن ومن باب المسؤولية التاريخية في موقفك، أريد من تكرار السؤال التحقق من موقفك ومن معلوماتك، أنت تنفي أن تكون دائرة المخابرات العامة مكانا للتعذيب وسحب الاعترافات بالإكراه؟
-في ذلك الزمن، السوريون هم المشهورون بالضرب في سجون المخابرات، ولسنا أصحاب هذه النظرية، وقلت لك، لا يوجد معلومة حقيقية يمكن أن تحصل عليها من خلال إجبار المتهم على الاعتراف تحت التعذيب أو الإكراه، بل على العكس أنت تخطئ إن كنت من أصحاب هذا الأسلوب في التحري عن المعلومات والتحقيق في القضايا، لأن اعتراف غير المذنب سيجعل المذنب حرا طليقا ينفذ مخططاته في التخريب.
لكن أنا بصدق، لا أعلم إن كان هناك أحد الضباط قام بضرب شخص يحقق معه، ولو كنا نعلم بذلك لكنا أخذنا اجراءات عقابية بحق أي ضابط يخالف النظريات، التي كنا نعمل من خلالها، ودربنا عليها أجيالا من قيادات الجهاز ودائرة المخابرات العامة.
أنتم لا تعلمون كم استنزف منا تأسيس دائرة المخابرات العامة من وقت وجهد وعناء، نحن حرصنا أن نؤسس لجهاز فني ومهني، ولم نكن نريد أن نؤسس دائرة للتعذيب والسجن والإساءة للناس.
ثم إننا كنا نتعامل مع معارضة واضحة، البعثيين والشيوعيين، مواقفهم من النظام كانت معلنة، وكنا نعرف جيدا بأنهم لن يكونوا لصفنا في تلك الأيام، وهم أيضا شخصيات وطنية لها حضورها الاجتماعي، فكيف نسمح لأنفسنا أن نسيء لأشخاص واضحين، هو معارض أمامنا ومن خلفنا، وهم لا يزعمون بأنهم موالاة وأنصار النظام عندما كنا نعتقلهم، ثم يعودون لينقلبوا بعد الإفراج عنهم أو انتهاء التحقيق معهم.
لذلك أرجو أن تكون الأمور واضحة؛ نحن تعاملنا مع رجال وطنيين، لهم احترامهم ومكانتهم، نقر كما يقرون باختلافنا معهم، لكننا كنا نحترمهم، ولا نزدريهم ولا نطردهم من الوطن أو ننفيهم أو نعذبهم أو ننتقم منهم على إشهار مواقفهم.
أرجو أن يعي الجميع، بأننا أسننا دائرة مخابرات، وعملها الأساسي الحفاظ على الأمن الوطني، وليس إرهاب المواطنين.
صحيح كنا نعيش أقسى الظروف التي مرت على وطننا، وكنا نتعرض لخطر من جميع الجهات، لكننا لم نكن مؤمنين بأن ترهيب المواطنين هو الأسلوب المهني في التوصل للمعلومات، في الجهاز آمنا بأن البنية التحتية لدائرة المخابرات لن تنهض إلا عبر شبكة مصادر معلومات، وضمان تدفق المعلومات من أماكن الخطر الذي يهددنا.
وسأشرح لك موقفنا كجهاز مخابرات، وطبيعة عملنا، عندما نأتي على سيرة حافظ الأسد، وهناك  موقف قد يساعد على توضيح آلية عملنا في ذلك الوقت.
لا تتخيل بأن عقيدة دائرة المخابرات استندت يوما الى الضرب أو التعذيب، لأن عملنا كان أكثر تعقيدا من ذلك، والطرق التي اتبعناها في التحقيق لا يمكن لك أن تتخيل حجم الحرفية العالية والمهنية فيها، خصوصا في الفترات، التي تلت مرحلة التأسيس الاولى في نهاية الستينيات من القرن الماضي.
وفي ذات السياق أذكر جيدا بأنه، بعد تخطيط سرايا الدفاع السورية لاغتيالي، العام 1982، عندما كنت رئيسا للوزراء، وضبط كل من شارك في التخطيط للعملية، وسمعت عن ضرب أحد الضباط المهمين لأحد المتهمين، فناديته وطلبت منه أن لا يعيد مثل هذه الممارسات، ورد بانفعال، إنه ضرب من حاول اغتيال رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية، وأعدت عليه التأكيد، بأن يلتزم اسلوبنا في التحقيق ولا يتجاوز في ذلك.

بدران في "الحلقة الخامسة" غدا

- لم يكن في المخابرات قسم للإخوان المسلمين.. واستحدث فقط بعد شكاوى حافظ الأسد ضدهم
- لم نستخدم الإسلاميين يوما ضد أي حزب شيوعي أو بعثي أو يساري.. لكن خلافات هذه التيارات موجودة
- زرعنا مصادر معلومات لنا داخل دائرة المخابرات السورية
- رصدنا بكاميراتنا حركة الجيش الإسرائيلي تجاه حدود الجولان وسيناء.. وحذرنا البلدين من هجوم مباغت

[email protected]