بديل اليأس الذي ينشره نتنياهو

هآرتس

حيمي شيلو

27/4/2017

في مراسم افتتاح يوم ذكرى الكارثة والبطولة حدثت في هذه السنة مواجهة سياسية غير متوقعة يرافقها جدل فلسفي لافت. كان المبادر إلى ذلك الرئيس رؤوبين رفلين الذي استغل الحدث التقليدي من اجل زعزعة ميل إسرائيل المتزايد لرؤية العالم من خلال الكارثة المقتربة، ومن اجل الخروج ضد بنيامين نتنياهو صاحب هذه الفكرة. رئيس الحكومة، من خلال رده قال إن رفلين محق في تشخيصه.اضافة اعلان
لقد بدأ رفلين بانتقاد دونالد ترامب بشكل غير مباشر لأنه لم يذكر اليهود في الاعلان الذي اصدره البيت الابيض في كانون الثاني الماضي بخصوص يوم الكارثة الدولي. من يصمم على رؤية الكارثة كظاهرة دولية ويستثني منها اليهود، يقوم بتشويه التاريخ ويلتصق بـ "موقف خطير"، كما قال رفلين. بعد ذلك ببضع ساعات، في خطاب مسجل مسبقا بُث في المؤتمر اليهودي العالمي، بذل ترامب جهدا كبيرا من اجل التكفير عن خطئه في الماضي عندما اعتبر أن الكارثة اليهودية "الجريمة الأكثر خطورة في تاريخ الإنسانية". أمس تفرغ رفلين للتهجم على من تنكر الكارثة أكثر من ترامب وهي مارين لوبين الفرنسية.
رفلين في المقابل لم يكتف بانتقاد من ينكرون الكارثة، بل انتقد ايضا وبشكل جريء النظرة المعاكسة التي تقول إن "الكارثة تحولت الى نظارات نرى من خلالها العالم". وقد قال إنه اختلف مع استاذه وسيده مناحيم بيغن الذي برر حرب لبنان الأولى بالحاجة إلى "منع تريبلانكا أخرى". وحسب هذه النظرة، كما قال، "كل تهديد يعتبر تهديدا وجوديا، وكل زعيم يكره إسرائيل هو هتلر. والعالم ينقسم إلى قسمين، الأمم المتنورة من جهة واللاساميون النازيون من جهة اخرى. وبالتالي، فإن كل انتقاد لإسرائيل يعتبر لاسامية".
رفلين لم يذكر نتنياهو باسمه، لكنه وصف بالضبط طبيعة تصريحاته ومواقفه دائما. بالنسبة لنتنياهو كان ياسر عرفات هتلر وكذلك محمود احمدي نجاد. وكان جيمس بيكر لاساميا وكذلك باراك اوباما. وكي لا يشك أحد بأن ما كان هو ما سيكون، جمع نتنياهو في خطابه الذي ألقاه بعد رفلين، بين إيران وتنظيم الدولة الإسلامية "الذين يسعون إلى القضاء علينا"، وبين "اللاسامية الجديدة – القديمة التي تسود في الغرب وفي مؤسسات الأمم المتحدة". بعد ذلك أقسم نتنياهو بالدفاع عن إسرائيل "باسم ضحايا الكارثة". وبجملة من الصعب القول إذا كانت ذروة التملق أو ذروة الوقاحة، منح نتنياهو صفة الشخص الأكثر تنورا للرئيس ترامب، وكل ذلك بسبب اطلاق صواريخ "توما هوك" على مطار عسكري تابع للاسد، الأمر الذي لم ينقذ حتى لو طفلا سوريا واحدا.
لا يجب التغاضي بالطبع عن التوتر الشخصي بين رفلين ونتنياهو، لكن في الحاصل النهائي لم يهدأ هذا التوتر منذ محاولة نتنياهو بكل قوته أن يتم انتخاب رفلين رئيسا. وفي كل فرصة كان رفلين يتمتع من شواء نتنياهو على نار هادئة. وفي السياق، رغم تأييده لضم المناطق واقامة إسرائيل الكبرى، تحول رفلين الى أشد المنتقدين للتوجهات القومية المتطرفة وغير الديمقراطية لحكومة نتنياهو، وأحد أكبر المدافعين عن القيم التي أصبحت في ولاية نتنياهو يسارية، ومن ضمنها حرية التعبير ومكانة محكمة العدل العليا ومكانة العرب في إسرائيل.
لا يعتبر رفلين خصم ايديولوجي فقط لنتنياهو: الاثنان يختلفان كليا من ناحية الشخصية. في الوقت الذي يرى فيه رفلين نصف الكأس المليء، يرى نتنياهو نصف الكأس المليء بالسم. رفلين متفائل ومحبوب، أما نتنياهو فهو شخصية متكدرة ومظلمة. هناك تناسب واضح بين تعاطي نتنياهو مع العالم الخارجي وبين تعاطيه مع حلفائه والمقربين منه: في نهاية المطاف يشك بالجميع، وهو يعتقد أن الجميع ضده. وينجح في افساد علاقته مع زعماء العالم مثلما يتسبب في هرب المستشارين والاصدقاء المقربين منه.
الإسرائيليون ايضا يقولون للمستطلعين الدوليين إنهم سعداء ومتفائلون بطبيعتهم. وأن تشاؤم نتنياهو يناسبهم مثلما يناسب القفاز اليد.
بدل تقليص المخاوف يقوم نتنياهو برعاية هذه المخاوف في اوساط الجمهور الإسرائيلي من الكارثة، ويؤكد دائما على أن إسرائيل تعيش في واقع معادي. وانغلاقه ورفضه الاعتراف بأي صفة إنسانية لدى الفلسطينيين يغذيان الاشتباه الطبيعي لدى الإسرائيليين. وبهذا الشكل أعيد انتخابه.
إن خطاب رفلين يعتبر من أهم الخطابات التي ألقيت مؤخرا، وهو يسعى الى ايجاد بديل لليأس الذي يبثه نتنياهو، الامر الذي تحول مع الوقت الى نبوءة تحقق ذاتها من خلال استخدام الكارثة كحدث آني. نتنياهو يجعل الكثير من الإسرائيليين يرون العالم أسود – أبيض، وبهذا يعفون أنفسهم من الشعور بالمسؤولية عن وضعهم أو قدرتهم على التغيير. إن جهود رفلين لتغيير ذلك، وادخال بعض التعقيد والاعتدال الى الواقع الإسرائيلي، تستحق التقدير، لكن في هذه المرحلة فإن مصيره الفشل.