برافو!

كنتُ قد أشرت (في مقالة أمس) إلى خطورة تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، التي وصف فيها "الاقتراح الأردني" بوضع الكاميرات في الحرم القدسي الشريف بأنّه "فخ". وبالفعل، فالتصريحات والتحليلات والتعليقات الأخرى التي صدرت أمس، كرّست هذا المزاج السياسي الفلسطيني، بل صدر ما هو أقسى منها من القيادي الفتحاوي أحمد عبدالرحمن (على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، كما نبّهني أمس مشكوراً أحد المعلّقين على مقال "الغد"). والحال كذلك مع رأي مصطفى البرغوثي، والآراء الفلسطينية التي تناولتها التقارير الإعلامية المختلفة.اضافة اعلان
لم أقرأ أو أسمع أحداً من الفلسطينيين أو المحللين العرب، ولا حتى من الأردنيين (للأسف)، يقدّم رأياً داعماً لما تمّ التفاهم عليه خلال زيارة كيري إلى الأردن، أو يقدّم لنا مرافعة مقنعة عن هذه التفاهمات وجدواها؛ بل تحوّل الأمر ليصبح خلافاً أردنياً-فلسطينياً آخر، يضاف إلى الخلافات الحالية غير المعلنة بين الطرفين، والتي حالت دون وجود الحدّ الأدنى من التنسيق بينهما في التعامل مع التطورات الأخيرة!
لا أريد أن أدخل في جدل المحاجّجة عن الأهداف الأردنية من وراء التفاهمات الأخيرة. لكن ما يخلق مرارةً شديدة لدينا، هو النقص الكبير في المعلومات والتواصل من قبل المسؤولين الأردنيين، إلى الدرجة التي لا ترى أو تسمع أي مسؤول أردني يقدم تفسيراً أو تحليلاً للموقف الرسمي في مواجهة موجة التشكيك، بل والتخوين، التي بدأت تتدحرج مثل كرة الثلج، لوصف ما حدث بأنّه مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني وللالتفاف على الانتفاضة (فيما لا نجد أحدا يذكر مثلاً التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين!).
أين المسؤولون الأردنيون؟ لماذا لا يتنازل وزير الخارجية ليقدم للرأي العام الأردني والفلسطيني أو العالمي، تقييماً لما حدث، ويدافع عن الموقف الأردني، وقد قرأ وسمع (بالضرورة) تصريحات زميله وزير الخارجية الفلسطينية؟ وإذا كان وزير خارجيتنا يشعر بأنّ الإعلام الأردني لا يستحق هذا الاهتمام، فلماذا لم نسمع من مسؤول مقنع في وزارته.
شيء، بالفعل، محزن جداً هذه الإساءة الكبيرة للموقف الأردني، والعلّة الدائمة تتمثل بتقصير المسؤولين الأردنيين في الدفاع عن سياسة بلادهم وتوضيحها أمام الرأي العام والإعلام، فيتركون المجال للرواية البديلة والاتهامية لتملأ الأجواء، فلا تجد في الإعلام العربي والغربي ولا حتى المحلي، من يقدّم رأياً مقنعاً، لينقلب الدور الأردني من هدف حماية القدس والمقدسيين و"الأقصى" والوصاية التاريخية والرمزية والدينية والأخلاقية ومساندة الفلسطينيين، إلى خانة التآمر!
المفارقة المؤلمة أن تقرأ تصريحات لخطيب المسجد الأقصى نفسه يشكك فيها بأهمية الكاميرات (التي ستركّبها أوقاف "الأقصى" المرتبطة بالأردن)، فيما يذهب نتنياهو إلى تجيير ما يحدث لصالحه في اجتماع مجلس الوزراء، ويصف الكاميرات بأنّها تخدم إسرائيل. أمّا مسؤولونا، فهم في حالة صمت مطبق، ولا نقرأ إلاّ تعليقاً سطحياً في تقرير الزميلة تغريد الرشق في "الغد" أمس، لمصدر رسمي رفض الكشف عن هويته (مش عارف مستحي من إيش؟!) يؤكد فيها أنّ الهدف من الكاميرات لصالح الفلسطينيين. (متشكرين على الاضافة دي يا فندم!)، فعلاً برافو أداء مذهل!
بعد هذا وذاك، هل يحق لنا أن نستغرب ما حدث مع وزير الأوقاف الأردني وقاضي القضاة قبل أسابيع في المسجد الأقصى! ما هو قادم أدهى وأمرّ؛ إذ أعلن نتنياهو عن نيته المضي قدماً في سحب الهويات الزرقاء -الدفعة الأولى- من قرابة 100 ألف مقدسي، وبما سيؤدي إلى زيادة حدّ التوتر إلى درجة الغليان. وهذا يدفع إلى التفكير بصيغة جديدة أردنية-فلسطينية لإدارة الصراع، الذي لن ينتهي بالتفاهمات الأخيرة مع نتنياهو ويمينه المتطرف!