برج الأمل!

لي صديقة متعِبة. تنتظرُ مني دائما أنْ أصيغَ هذيانها في جمل إنشائية تعبِّرُ بشكل صريح عن نوباتها الغامضة. لكنَّ الأصعب أنها تطلب مني بإلحاح شديد أن أتنبأ بما سيحدث معها مستقبلا. وقبل زمن قصير، أردتُ أن أشرح لها الالتباس؛ فأنا لستُ عرَّافا، ولا أشرب القهوة أصلا وبالتالي لا أفقه خطوطها، ولا أحسنُ قراءتها كما فعلت امرأة نزار قباني في القصيدة الشهيرة!

اضافة اعلان

بدا أنها تفهمتْ موقفي؛ فراحت تختصرُ كثيرا من استفساراتها غير المترابطة التي كانت تدخلني في عصف ذهني غير مثمر في كثير من الأحيان. لكنَّ ذلك كان مقدمة لأمر غاية في التعب تحضره لي؛ فصديقتي لا تمتعها قراءة الصحف، بينما أنا مدمن على قراءتها ورقيا في الصباح، ولم أكن قبل أشهر قليلة أعرف أنه كان ينبغي أن أعتاد على أقل أنواع الإدمان صداعا!

فوجئتُ بهاتفها صباحا، في الموعد المبكر الذي أقرأ به الصحيفة. اعتبرتُ طلبها قراءة برجها أمرا عارضا في سياق حديثنا، وعزَّزَ ذلك أنها لم تناقشني في مضمونه الذي كان يومها شديد الكآبة. ثمَّ كانت دهشتي أعظم حين هاتفتني في الموعد ذاته في اليوم التالي، واستهلت حديثها بسؤال شغوف: "شو بحكي برجي اليوم"؟!. وهو السؤال الذي سأضطر لاحقا للإجابة عنه كلَّ صباح، ويزيدُ إدماني على الصحيفة وأخبارها النكِدة.. جرعة قاتلة!

فأصبحَ لزاما عليّ، كلَّ صباح، أنْ أحذِّرها من قيادة السيارة بشكل متهوِّر، لأنَّ برجها يسبحُ اليوم في كوكب زحل المشؤوم، وكذلك من الضروري أنْ أنبِّهها إلى صحتها، وخصوصا المعدة، وهنا عليَّ أن أفسِّرَ لها لماذا المعدة تحديدا..؛ أفتش أكثر في كلمات برجها المحدودة، علَّ بعضها يزيد من خبرتي الطبية المتواضعة، فلا تقتنعُ بإجابتي المتسرعة أنَّ برجها أمعنَ في السباحة بكوكب أورانوس شديد الاضطراب!

"هذا المساء جيد لإعادة وصْل ما انقطع مع الحبيب". أخبرتها ما قاله البرج بكلِّ أمانة. وليتني لم أفعل. فمنذ أول المساء هاتفتني وقالت

"لم يحدث أي شيء بعد"!. قلتُ: "ما يزال الوقت مبكرا ربما طرأ أمر جديد على برجه"، ورحتُ أقول لها كلاما غير دقيق عن حركة الأبراج، يخففُ شيئا من توترها، لكنَّ الأمر ازداد سوءا، فقرَّرتُ أمرا في غاية الدهاء..

في اليوم التالي أخبرتها أنَّ البرجَ يقول لها، بما معناه، أن لا تحزن فالحب عليها مكتوب، وللدلالة على ذلك أخبرتها أنها ستدخلُ علاقة عاطفية جديدة هذا المساء، وما إنْ خفت ضوء الشمس حتى أرسلت لها رسالة هاتفية كتبتُ فيها عبارة مكرورة: "أجملُ حب نعثر عليه أثناء بحثنا عن حب آخر"!

صارتْ اللعبة ممتعة بعض الشيء. فأصبحت ألتفتُ لبرجي وأربط قيافتي بأرقام الحظ حين تكونُ أقرب إلى الرقم 9. لكنَّها دخلت منعطفا جديدا في الأيام الأخيرة من العام الماضي، حيث يصعدُ نجم المنجِّمين، فراحت صديقتي تطالبني بكشف سريع على مجريات حياتها في العام 2010. الأمر كان سهلا، بيد أنه كان مؤلما بالنسبة لها، والسيدة كارمن شمّاس لم تراع موقفي تجاه صديقتي فكتبت في برجها توقعات بالغة التشاؤم!

يرنُّ هاتفي الآن، صباح اليوم الأول من العام الجديد، تسألني كالمعتاد، فأجيبها الذي يُفرحها ويجعلها تدَّخرُ لي قبلة تبقى في قلبها وديعة غير قابلة للكسر. لكنَّها لم تفرح. تفاجئني أنها كشفتْ أمري، وأنني أقرأ لها برجا آخر غير برجها. أبرِّرُ ذلك فأقول لها: "لقد أخطأتِ في حساب برجكِ كل هذا العمر"، فتسألني ببراءة ودهشة: "إذن ما هو برجي؟!". أضحكُ كثيرا وأبحث عن كلمة تحملُ سجعا على برجها، فأقول بلا تفكير: "الأمل!".

[email protected]