برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني: ممكن ومطلوب

من بين أهم الرسائل التي أطلقتها الحكومة الجديدة ما جاء على لسان نائب رئيس الوزراء، الدكتور رجائي المعشر، أن الحكومة تعكف على إعداد برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي، ومن المتوقع أن تعرض على فريق صندوق النقد الدولي رؤية جديدة تعكس الأولويات والحاجات الوطنية، فبدون مداراة ومهادنة، فقد أثبتت المعطيات خلال الفترة الماضية أن الحكومات الأردنية حينما ذهبت لصندق النقد والبنك الدوليين كانت تقدم مشاكل تعبر عن هشاشة في الرؤية والإمكانيات ولم تكن تملك حلولا، لذا تلقت وصفات جاهزة وقوالب قد تصلح هناك ولا تصلح هنا والنخب الحكومية الجديدة تعرف أكثر من غيرها أين نجحت هذه المنظمات الدولية وأين أخفقت.

اضافة اعلان

برنامج إصلاح اقتصادي وطني توافقي بات أمرا ضروريا ولم يعد ترفا إيديولوجيا، وهناك إمكانية واردة لفرص التوافق مع صندوق النقد الدولي حوله، فهذه المنظمات المالية والاقتصادية هي الأخرى لم تعد بعقلية الوصاية التقليدية ذاتها التي سادت في الثمانينيات والتسعينيات، فقد شهدت مراجعات جوهرية في آخر عقدين سمحت بهوامش واسعة للدولة الداخلة في برامجها الإصلاحية من تقديم وتنفيذ رؤيتها إلا حينما تصل الدول الى مرحلة من العجز أو أن تذهب نخبها الاقتصادية طواعية وتسلم أوراقها وملفاتها كاملة لخبراء الصندوق.

هناك أربعة تحديات اقتصادية واجتماعية دفعت الحكومات للذهاب مرة أخرى للصندوق والدخول في برنامج جديد بعد البرنامج العتيد الذي انتهى في العام 2004، هذه التحديدات هي ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع المديونية وتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، للأسف لم يحدث أي تقدم في أي من الملفات السابقة، بل ازدادات الأوضاع سوءا خلال السنوات الماضية من تطبيق البرنامج وما ارتبط به من خطط تنفيذية، ما يعني أن ثمة حاجة إما الى بدائل أو أن المسار بأكمله يحتاج الى مراجعة جذرية.

طبق الأردن برنامج إصلاح اقتصاديا ماليا ونقديا وإداريا طويلا في السابق امتد من العام 1989 إلى 2004، وفي الحقيقة خرج الاقتصاد الأردني أكثر تماسكا وسجل العديد من المؤشرات تقدما، ولكن لم يؤشر ذلك الى أن الاقتصاد قد تعافى بالفعل، بل استمرت التشوهات الهيكلية التقليدية، ما حدث لم يكن بفضل وصفات صندوق النقد الدولي، بل بفضل عوامل أخرى داخلية وإقليمية، ولعل أهمها زيادات تحويلات المغتربين الأردنيين، ثم حافظ الاقتصاد على معدلات نمو اقتصادي مرتفع ما بين العامين 2005 و2010 ليدخل في مرحلة انكماش جديد نلمس نتائجها الكارثية اليوم.

إن حالات الازدهار الشكلي الطارئ والانكماش الطويل تشير الى نتيجة واحدة هي أن الاقتصاد الأردني على مدى ثلاثة عقود لم يدخل عملية إصلاح جوهرية حقيقية، وكل ما كان يحدث محاولات لحماية التماسك ومنع الانهيار الكامل؛ أي إصلاحات شكلية حافظت على العلاقة السياسية الريعية التي تحكم الاقتصاد السياسي الأردني إقليميا ودوليا، وعادة ما كانت محكومة بالتطورات السياسية وتداعياتها والأثمان التي يجب أن تدفع؛ أي استمرار المساعدات والمعونات الخارجية، مقابل استمرار العلاقات الزبونية الداخلية والتي تعني التضحية بالكفاءة والفعالية بمبررات الاستقرار، وطالما سمحت العلاقات الزبونية بازدهار الفساد الذي عد للأسف في مراحل ما ازدهارا اقتصاديا، وتحديدا في المناطق الحضرية، بينما امتدت الزبونية الى المناطق المهمشة بأشكال أخرى حافظت على تماسك الهشاشة المحلية لا أكثر.

ثمة كلام كثير يقال عن برامج الإصلاح الاقتصادي وعن الأولويات وعن تشوهات المالية العامة وغيرها، بينما تبقى كلمة السر في الطريقة التي يمكن فيها (استعادة الكفاءة العامة للدولة)، وهذا ليس شعارا، بل يمكن أن يكون الهدف لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للدولة والذي يعني في أبسط ملامحه كيف نتفاوض مع صندوق النقد وكيف نشكل فريقا وطنيا من الكفاءات لدعم الرؤية الحكومية. وفي أعقد ملامحه كيف ننفك عن العلاقات الريعية الخارجية والزبونية المحلية؛ أي كيف نبدأ من الداخل.