بطالة الشباب: القنبلة الموقوتة في الشرق الأوسط

"لا عمل، لا نقود، ماذا الآن"؟- (أرشيفية)
"لا عمل، لا نقود، ماذا الآن"؟- (أرشيفية)

تحليل - (مركز التنبؤات الاستراتيجية/ ستراتفور) 28/2/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الخلاصات الرئيسية:اضافة اعلان
* مع ازدحام أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب طفرة المواليد، سوف تستمر بلدان المنطقة في مواجهة التحدي الكبير الذي تشكله معدلات البطالة الهائلة بين الشباب.
* مع أن كل دولة تكافح مع ظروفها الخاصة، سوف تواجه معظم بلدان المنطقة عقبات هائلة بينما تحاول بناء قطاعات خاصة قوية لديها.
* حتى لو تمكنت هذه الدول من بناء قطاعات خاصة قوية، فإنها قد لا تتمكن من تخفيف المصاعب الاقتصادية عندما تضرب مواطنيها، بالنظر إلى طبيعة السوق الحرة التي لا تمكن السيطرة عليها.
*   *   *
في شهر شباط (فبراير)، استضافت دبي قمة الحوكمة العالمية، ورحبت فيها بشخصيات بارزة من كل أنحاء العالم للمشاركة في إجراء نقاشات حول السعادة العالمية. لكن ثمة قضية أكثر إلحاحاً خيمت على الأجواء وسط كل المناقشات التي جرت حول المجتمعات الأكثر رضا، والتي أصبحت تقف مباشرة على أعتاب الإماراتيين: احتمال دخول 5 ملايين عامل سوق الشرق الأوسط في كل عام، حتى مع معاناة فرص العمل ذات الأجور المجزية من نقص في المعروض. وكانت هذه القضية على الأقل في ذهن كريستين لاغارد، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، التي حثت الحكومات العربية مرة أخرى على معالجة مشكلة بطالة الشباب -وبسرعة. ولم يختلف معها أحد على ذلك. فمن المغرب إلى إيران، تفهم الدول والقادة من كل الطوائف والمنظومات السياسية وأنظمة الحكم نوع التهديد الذي تفرضه مستويات البطالة العالية بين شباب المنطقة.
على الرغم من أن القادة الإقليميين يتفقون على الحاجة إلى زيادة التوظيف، فإن ثمة سبباً لبقاء البطالة بين الشباب متشبثة بعناد فوق المعدل العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فمن بناء قطاعات خاصة تتمتع بالحيوية إلى إيجاد فرص العمل المناسبة للشباب ومطاردة الحلول السحرية للتكنولوجيا، واجهت الكثير من البلدان عقبات في البحث عن حل. وحتى تلك البلدان التي تقوم فعلاً بتعزيز القطاعات الخاصة لديها وتشهد طفرة في التقنية، ستفتح أبوابها لقوى السوق التي تمكن بالكاد السيطرة عليها -وهو تطور سوف يشكل خطراً على عقودها الاجتماعية المتوترة سلفاً مع شعوبها. ولا تتمتع البلدان في المنطقة بترف عقود من الزمن لحل مشكلة بطالة الشباب، وإذا فشلت في العثور على حل قريباً، فإن بقاء هذه الدول سيصبح محل شك.
اختيارات قليلة أمام التي تشهد طفرة في المواليد
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انتفاخاً في المواليد في الثمانينيات والتسعينيات؛ حيث انخفضت معدلات وفيات الأطفال الرضع بسرعة في مجتمعات تتميز مسبقاً بالأسر الكبيرة. ومنذ العام 1980 وحتى 2000، تضاعف عدد سكان هذه المنطقة تقريباً. ومع ذلك، فشلت الاقتصادات الإقليمية في مواكبة معدل نمو السكان لطائفة مختلفة من الأسباب، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم أعلى معدل لبطالة الشباب في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
فشلت الاقتصادات الإقليمية في مواكبة معدل النمو السكاني لأسباب مختلفة. فقد شهدت بعض الدول، مثل العراق، وليبيا وسورية، اندلاع الحروب ونشوب الصراعات والعقوبات الاقتصادية. لكن البطالة بين الشباب ارتفعت بشكل كبير في البلدان التي لم تشهد مثل هذا التدهور. وسواء كانت غنية أو فقيرة، سنية أم شيعية، عربية أم غير عربية، تُبلِغ دول الشرق الأوسط عن مزيد من الشباب الباحثين عن عمل مع كل عام يمر. وثمة الكثير من العوامل التي تعرقل سعي الشباب إلى العثور على عمل، بما فيها القطاعات الخاصة الضعيفة، والمهارات غير المتكافئة، والإفراط في الإنفاق على القطاع العام في جميع أنحاء المنطقة. ولكن، وبالإضافة إلى هذه القواسم المشتركة، أدت القضايا الجيوسياسية الفريدة في كل بلد إلى رفع منسوب بطالة الشباب؛ حيث تآمرت المحددات والمشاكل المحلية كلها ضد الشباب الباحثين عن حظهم في سوق العمل.
علل المغرب العربي
على الحافة الغربية من المنطقة، تناضل المستعمرات الفرنسية السابقة في المغرب العربي -تونس، والجزائر والمغرب- مع معدلات البطالة العالية التي تدور حول 30 في المائة. وفي تونس والرباط، تنبع المشكلة من الافتقار إلى الموارد الطبيعية عالية القيمة.
كان مناخ تونس اللطيف قد أفاد سكانها في حقبة زراعية قديمة. ومع ذلك، لا يستطيع القطاع الزراعي في البلد أن يولِّد الآن ما يكفي من الدخل لتوفير فرص العمل لمعظم سكانه. وبدلاً من ذلك، تجد تونس نفسها مجبرة على الاعتماد في الكثير من عمالتها الوطنية على قطاع السياحة الذي يتطلب مهارة منخفضة ويُدرّر أجوراً منخفضة. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني البلد أيضاً من البطالة الجزئية؛ حيث أنتج قطاع التعليم القوي الكثير من الخريجين الماهرين، لكن هناك القليل من الوظائف التي تناسب مهاراتهم. وفي الوقت نفسه، تواصل زمرة صغيرة من النخب الاستيلاء على الثورة الوطنية من خلال الفساد.
وفي الأثناء، يستخرج المغرب معدن الفوسفور، لكن هذا المورِد -إلى جانب صلات البلد المحدودة بالسوق الأوروبية المشتركة- لا يوفر ما يكفي من الدخل لضمان التنمية بالسرعة اللازمة لخلق فرص العمل للشباب.
يعاني الجزائر قدراً أقل من الضغوط مع الموارد بسبب وفرة احتياطياته من مخزونات الهيدروكربونات، لكن البلد فشل في تحقيق إمكاناته في مجال الطاقة. وقد خاضت الدولة مساومات صعبة في المفاوضات مع شركات الطاقة الأجنبية في إطار جهد يرمي إلى استخلاص أكبر قد ممكن من الدخل. لكن هذه التكتيكات أبطأت نمو القطاع لأنها ثبطت الاستثمار، مما أضر بمعدلات التوظيف.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني هذه الدول الثلاث جميعاً من إرث فرنسا الاستعماري الذي أنجب مجتمعات مدنية قوية -والتي ينبغي أن تكون اسمياً رصيداً للاستقرار، لأنها توفر تمثيلاً للذين يعانون من المظالم. ومع ذلك، تقوم هذه المجموعات في الكثير من الأحيان بإبطاء الإصلاحات التي تشكل شروطاً مسبقة وأساسية لإعادة تنشيط القطاع الخاص. وعندما تقترح الدول في المغرب العربي إجراء تخفيضات تقشفية أو زيادات ضريبة أو تخفيضات في رواتب القطاع العام من أجل تحسين تنافسيتها، فإنها يمكن أن تواجه ضغوطاً معاكسة في شكل إضرابات أو نشاطات مدنية أخرى.
تسلط أعمال الجزائر خلال الربيع العربي الضوء على هذه القضايا. ففي خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، والإطاحة بحكومة تونس المجاورة، والمخاوف على استقرارها الخاص، فتحت الحكومة الجزائرية الباب للقطاع العام؛ حيث ضاعف مقدار إنفاقه على أجور موظفي الخدمة المدنية في الأعوام ما بين 2009 و2011. وساعد ذلك الإجراء على الإبقاء على الهدوء في الشوارع، لكنه أضر بميزانيات البلد على المدى الطويل. وما يزال على الإنفاق الحكومي أن يعود إلى مستويات ما قبل الربيع العربي، حتى بينما يجلب قطاع الطاقة الحساس في البلد قدراً أقل من عوائد النفط. والآن، تتصارع الجزائر مع الآثار المترتبة على استراتيجية حلت مشكلات الأمس، لكنها تحسب حساباً لمشكلات اليوم.
الجيوش تضع أيديها في الكعكة
بالنسبة لمصر، لا تتعلق المشكلة بنقص الموارد فحسب -بغض النظر عن الاكتشاف الأخير لحقل زهر الضخم للغاز الطبيعي- وإنما تتصل أيضاً بالعدد الكبير من السكان الحضريين، ووجود قطاع عام متضخم، واقتصاد فاسد يهيمن عليه الجيش.
تضاعف عدد سكان مصر البالغ 95 مليوناً تقريباً منذ العام 1990، مؤدياً إلى اكتظاظ عدد متزايد من الناس في مدن ذات بنية تحتية بائسة والقليل من الوظائف، إلى جانب قطاع سياحي متدني الأجور. ويتحمل المواطنون المصريون ما يكفي من المتاعب لمجرد الحصول على ماء نظيف وغذاء بأسعار معقولة، ناهيك عن العثور على وظائف يمكن أن توفر لهم متطلبات حياة الطبقة الوسطى. ومن غير المفاجئ أن تتجاوز نسبة الشباب الذين بلا عمل 30 في المائة.
كما أن الكسب غير المشروع منتشر أيضاً في مصر بالنظر إلى سنوات من هيمنة الجيش على أجزاء كبيرة من الاقتصاد، ويعمل ذلك الفساد على استنزاف الثروة الوطنية التي يمكن أن توفر المزيد من الوظائف بعيداً عن القطاع الخاص. ولم تتمكن ثورة العام 2011 من إزاحة الجيش عن موقعه المهيمن في هذه الأعمال، مما ساعد على استمرار توجيه الثروة نحو هذه الشبكات الفاسدة. وتعمل طبقات من القوانين على المزيد من حماية هذه القطاعات والشبكات من المنافسة.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر القطاع العام المهيمن في مصر الأساس للشرعية السياسية للدولة. وتقوم وظائف القطاع العام بتوجيه المواهب بعيداً عن القطاع الخاص وإلى أعمال غير منتجة في أغلب الأحيان. ويتم خلق هذه الوظائف في العادة، ليس لأداء مهام الدولة، وإنما لشراء الولاء للنظام. كما أنها تستنزف الثروة الوطنية لأن العاملين فيها يقاومون بقوة خفض الأجور.
حققت القاهرة بعض النجاح في محاولاتها لزيادة التنافسية -على الأقل في العام 2017. ولكن مع اعتماد الرئيس عبد الفتاح السيسي بكثافة على دعم الجيش لسلطته، فإن من غير المرجح أن تقوم السلطات بتقليص سيطرة الجيش على الكثير من أجزاء الاقتصاد وتنفيذ إصلاحات أكبر.
كما أن محسوبية الجيش تعيق أيضاً الاقتصاد في إيران؛ حيث يبلغ معدل البطالة بين الشباب 30 في المائة. وتسجل مؤسسة الحرس الثوري حضوراً قوياً في الاقتصاد، لكن النخب الأخرى في داخل الجمهورية الإسلامية، بما فيها مكتب المرشد العام، راكمت الأصول بمرور السنوات، وقامت بتحويل الموارد وتشويه الحوافز الاقتصادية. ومع ذلك، ربما تكون أكبر مشكلة تواجهها إيران هي هجرة الأدمغة التي تركت البلد مجرداً من أفضل وألمع مواطنيه. ولدى الجامعات الإيرانية برامج قوية للهندسة والرياضيات، لكن الكثير من خريجيها يسعون إلى فرص العمل والدراسة في الخارج. ونتيجة لذلك، تدفع إيران فاتورة تعليم هؤلاء الشباب، لكنها لا تجني العوائد من استثمارها فيهم.
الفجوة بين القطاعين العام والخاص
على النقيض من ذلك، لا تعاني دول مجلس التعاون الخليجي فقراً بالموارد مثل دول المغرب العربي، ولا هي مزدحمة بالسكان مثل مصر. ومع أن أنظمة الحكم فيها مطلقة، فإنها لا تعاني من وجود شبكات عسكرية تسيطر على أجزاء كاملة من الاقتصاد كما في إيران ومصر. بل إن لدى الكثير من دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من فرص العمل التي تقدمها لمواطنيها، ومع ذلك، فإن معدل البطالة بين الشباب يصل إلى نحو 30 في المائة في العديد من هذه الدول. وعادة ما يختار الشباب في الخليج فرص العمل المريحة في القطاع العام بدلاً من السعي إلى العمل في القطاع الخاص الأكثر تطلباً. وفوق كل ذلك، تعلِّم أنظمة التعليم في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي القليل من المهارات التي يريد أصحاب الأعمال في القطاع الخاص توفرها لدى الموظف المحتمل.
من أجل تعزيز شرعيتها، اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي على ثرواتها النفطية لبناء قطاعات عامة كبيرة، والتي تصبح باهظة التكلفة وغير منتجة بازدياد، بعرضها للوظائف السهلة. والآن، تكافح الدول في تلك المنطقة لدفع شبابها نحو القطاع الخاص على الرغم من وفرة الوظائف في هذه الصناعة؛ حيث يتجنب البعض الوظائف المتاحة في القطاع الخاص ويفضلون البقاء عاطلين عن العمل حتى تشغر وظيفة في القطاع العام. وفي نهاية المطاف، تثبط شبكات الأمان الاجتماعي السخية عن غير قصد حوافز عرب الخليج للبحث عن عمل فوري.
وضعت كل واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي أهدافاً لزيادة عدد المواطنين المحليين الذين يعملون في القطاع الخاص، لكن البلدان كثيراً ما نكثت بتعهداتها بتعزيز الأعمال الخاصة بدلاً من القطاع العام المتضخم. وكجزء من حملة مستمرة لزيادة عدد الإماراتيين العاملين في القطاع الخاص، قامت الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً بتجميد رواتب القطاع العام للعام 2018 -باستثناء حاكم الشارقة الذي سيمنح العاملين في إمارته زيادات على أي حال.
وبالمثل، سعت السعودية إلى إجراء تخفيضات في إعاناتها وإلى تحسين قاعدتها الضريبية. وطبقت المملكة ضريبة قيمة مضافة في كانون الثاني (يناير) لتحسين وضع الميزانية العامة للبلد؛ ولكن بعد أن عبر أفراد في الجمهور عن قلقهم من أن يؤدي ذلك إلى تخفيض مستوى المعيشة، وضعت الرياض "برنامج حساب المواطن" لتخفيف التأثير على السعوديين الفقراء. وفي شباط (فبراير) وحده، حول البرنامج نحو 587 مليون دولار إلى المواطنين.
التخلص من السيطرة
في سعيها إلى إيجاد فرص عمل لشبابها، تواجه العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات سوف يكون من الصعب التغلب عليها. وتميل البعض منها إلى الاعتماد على التكنولوجيا لإيجاد طريق إلى الأمام، خاصة دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر. وتلجأ أخرى، مثل مصر، إلى المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لمساعدتها في تطبيق التغييرات الهيكلية الضرورية. ومع ذلك، تتوحد هذه الدول في رغبتها في بناء قطاعات خاصة متمتعة بالحيوية.
لكن الاتجاه إلى تكوين مثل هذه القطاعات الخاصة ينطوي على مخاطر بالنسبة للعديد من البلدان. فلدى القطاعات خاصة ميل إلى الانهيار واختبار الركود وإنتاج المصاعب كجزء من دوائرها الاقتصادية الطبيعية. وقد كافحت العديد من دول الشرق الأوسط في سبيل تخفيف هذه المصاعب على مدى عقود كجزء من عقودها الاجتماعية مع شعوبها، لكن توجه الحكومات إلى بناء قطاعات خاصة أكثر قوة ينطوي على مخاطر احتمال فشلها في إدارة المصاعب المتأصلة في فترات الركود والتباطؤ التي لا مفر منها.
تظهر الرغبة في تجنب ظهور المصاعب مسبقاً في المعركة الجارية على الإعانات في كل أنحاء المنطقة. وتسعى الدول ذات الاقتصادات المتنوعة، مثل الأردن والسعودية وإيران ومصر، إلى محاولة الاحتفاظ بتوازن حرج بينما تكافح لتخفيض الإعانات التي تستنزف الميزانية، في حين تتجنب حصول ردة فعل عنيفة من المجتمعات المعتادة على هذه الإعانات.
كما أن وجود قطاعات خاصة أكبر مرتبطة بالأسواق العالمية ربما يعمل أيضاً على تغيير توقعات أخرى للحكومات، خاصة عندما تحدث حالات الركود. وبدلاً من الاعتماد على دعم عام موحد للمزيد من الإعانات خلال الأوقات الصعبة، يمكن أن تواجه الدول عدائية من رجال الأعمال وقادة القطاع الخاص، مما يجعل من الصعب التخفيف من آثار الركود على السكان من خلال الإنفاق العام أو منح إعانات جديدة. وحتى لو شرعت هذه الحكومات في إجراء زيادات في الإنفاق لتعزيز التوظيف، فإن الفارق بين بداية الركود واستجابة الحكومة يمكن أن يُغضب المواطنين، ويجبرهم على معاناة مصاعب حالات الركود التي تفرض التقشف بدون سابق إنذار. وإذا لم تستطع الدول أن تتعلم كيف تمتص مثل هذا التوتر الاجتماعي، فإنها تغامر بإثارة الاضطرابات التي عصفت ببلدان أخرى أنهكها التقشف، مثل اليونان.
إذا فشلت هذه الدول في توفير الوظائف التي يريدها شبابها أو يحتاجونها، فإن الشباب يمكن أن يتحولوا نحو الأيديولوجيات الأكثر تطرفاً للحصول على إجابات. وسوف يجد المتشددون الدينيون الكثير من المجندين في صفوف العاطلين عن العمل، كما كان لديهم دائماً. ومع ذلك، ليس الإرهاب هو التهديد الوحيد. وتعمل بعض الدول، مثل السعودية، بنشاط على تشجيع مجتمع أكثر انفتاحاً في محاولة لإغراء المستثمرين، والاستفادة من قواها العاملة النسائية وغرس ثقافة تتقبل الابتكار والإبداع. لكن هذا الانفتاح إذا لم يجلب الازدهار، فإن المحافظين المتشددين الذين دأبوا طويلاً على القول بأن الخلاص لا يكمن في محفظة النقود وإنما في النصوص المقدسة، ربما يكسبون اليد السياسية العليا، مما يسمح لهم بتهميش الإصلاحيين.
في الوقت الراهن، ثمة القليل من الشهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتكرار خبرة الربيع العربي. لكن المطالبة بالتغيير على مدى العقد المقبل سوف تزداد إذا لم يتم إيجاد حل لمشكلات البطالة بين 5 ملايين شاب ممن سيدخلون سوق العمل هذا العام. وبينما يعاني العاطلون عن العمل عاماً بعد عام من سوء آفاق العمل، فإنهم سيستنطقون الأنظمة الاقتصادية والسياسية التي وعدت بتقدم الحلول بلا نهاية، لكنها فشلت مع ذلك في تقديم مستوى مقبول للعيش. وبشكل حتمي، سوف يؤدي الافتقار إلى الحلول إلى إثارة الاحتجاجات، وربما إلى التمرد. ومع نفاد الوقت من دون إيجاد حل، ربما تصبح الثورة أكبر رب عمل للشباب العرب في المستقبل غير البعيد.

*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Youth Unemployment: The Middle East's Ticking Time Bomb