بطالة وغضب ووعود

الأزمات التي تواجه الدولة كثيرة ومتنوعة، بعضها بسيطة والآخر مركب وبالغ التعقيد. الازمات البسيطة ناجمة عن تعثر السياسات الاقتصادية ونوعية التخطيط والادارة وغياب المساءلة، في حين أن الكثير من الازمات الكبرى جاءت نتيجة للاوضاع الاقليمية والدولية والترتيبات التي اجريت من قبل القوى والتحالفات والاطراف الفاعلة في الاقليم والعالم.اضافة اعلان
اليوم يتحدث الافراد والجماعات عن مشكلة الثقة، وترهل الادارة، وسلوك الموظف العام، وانتشار الشللية، ومحاباة اصحاب النفوذ، والفساد المالي والاداري، واستمرار تنامي الديون، وتردي شبكة الخدمات التعليمية الصحية وسائر مكونات البنية التحتية، اضافة إلى الفساد المالي والإداري وتفاقم ازمة البطالة وارتفاع اصوات المطالبين بالعمل.
التباطؤ الحكومي في التعامل مع المشكلات واستسهال تأجيلها أو ترحيلها أدى إلى انفجارها في اوقات عصيبة ووضع الدولة ومؤسساتها في مواجهتها في اكثر الاوضاع الاقتصادية والسياسية صعوبة وتعقيدا. اليوم لم يعد لدى الشباب العاطلين عن العمل ما يكف من الاسباب للانتظار ولا لتصديق الوعود والبيانات التي يصدرها الساسة وصناع القرار حول نواياهم توفير عشرات آلاف الفرص وبناء المشاريع التي تستوعب طاقاتهم فقد سمعوا الكثير من هذه الوعود وشاهدوا تجاوزات الحكومة في تعيين ابناء واشقاء المتنفذين.
التنامي السريع لسكان الأردن وفتح باب اللجوء والهجرة لمئات الآلاف وإغراق سوق العمل بالعمال الوافدين في الوقت الذي يطالب فيه شباب المحافظات بوظائف واعمال خدمية عوامل تثير حفيظة الشباب وتدعوهم للتساؤل عما اذا كانت الحكومات الأردنية تكثرث لأوضاعهم وتشعر بمعاناتهم.
انتشار عدوى الاعتصامات ومسيرات المتعطلين نحو العاصمة يبدو في الظاهر احتجاجا على اوضاع البطالة لكنه يحمل في طياته مستويات من الغضب والاحباط والاتهام. ويضع الدولة ومؤسساتها امام انواع جديدة من الاحداث التي تحتاج إلى الكثير من الفهم والدراية لدوافعها المباشرة وغير المباشرة.
طبيعة الاحداث الاخيرة والاستجابات الحكومية لها كشفت عن عمق الازمة التي يعاني منها الشباب والقصور في السياسات والتدابير التي اتخذت في التصدي لها. في الحالات التي استجابت فيها المؤسسات لمطالب المعتصمين اثيرت في الشارع الأردني عشرات الاسئلة حول مدى ملاءمة الاستجابات وآثارها في الحد من البطالة وتزايد اعداد المطالبين بحلول مماثلة.
في الدول الحديثة تتولى الحكومات ادارة الشأن العام بما يراعي مصالح الامة ويحقق النمو والعدالة للجميع دون التجاوز على حقوق الفئات والافراد وضمن اجراءات شفافة تخضع للرقابة والتدقيق والمحاسبة. في هذه الدول ومقابل أداء الناس لواجباتهم الضريبية يحصل المواطن على الأمن والحماية والخدمة والرعاية ضمن افضل المعايير التي تسمح بها الظروف والامكانات.
في وجود اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل أخطار كبيرة تهدد أمن واستقرار البلاد وسلامة وصحة الافراد المتعطلين عن العمل واسرهم وطبيعة ونوعية العلاقات التي تنشأ بين العاطلين عن العمل وبيئاتهم الاجتماعية، فمن غير الممكن لأي فرد ان يستكمل مسيرته في العيش دون أن يكون لديه مصدر للدخل ومسارب مشروعة لاستثمار وتسريب طاقاته.
تأسيسا على هذا الفهم تحرص دول العالم على توسيع مظلة الرعاية لتشمل كل مواطن وكل من يعيش على ارضها بحيث تضمن التشريعات والبرامج توفير قدر من المال والمساعدات لكل متعطل عن العمل وبما يكفي لسد حاجاتهم الاساسية خلال فترة انقطاعهم عن العمل باعتبار أن العمل حق ينبغي أن يحصل عليه الجميع ومسؤولية يترتب على الدولة ايجاد البيئة المولدة لفرص الاعمال والسياسات التي تشجع الجميع على الالتحاق بها.
المعالجات التي قامت بها المؤسسات والافراد لاعتصامات المتعطلين لا ولن تحل المشكلة بل سيؤدي إلى تفاقمها. الشباب العاطل عن العمل يتطلع إلى سياسات تحفز الاقتصاد وتولد فرص عمل حقيقية تحترم كرامة العامل. بدون اجراءات حاسمة للحد من التشويه الحاصل في سوق العمل فإن الوضع مرشح للتطور في اتجاه المزيد من المطالبات.