بعد أن وصلنا إلى الحضيض!

يكاد المرء يفقد صوابه وهو يستمع إلى العرض المأساوي لأوضاعنا الاقتصادية الذي قدمه رئيس الوزراء فايز الطراونة ووزير ماليته سليمان الحافظ. فبينما كنا نتسلى في تغيير الحكومات وإعادة تدوير الكراسي، كانت البلاد تغرق في مديونية تجاوزت 14 مليار دينار، وعجز يقارب الثلاثة مليارات دينار.اضافة اعلان
لقد وصلنا إلى الحضيض! هذه هي ببساطة الرسالة التي حملها الطراونة والحافظ  للصحفيين. وجل ما تسعى إليه الحكومة في اللحظة الراهنة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، على حد قول رئيس الوزراء.
العالم لم يعد مستعدا لإقراضنا، والأصدقاء غير مستعدين لمساعدتنا إذا لم نساعد أنفسنا أولا. وعليه، يتعين اتخاذ قرارات عاجلة، وقبل نهاية الشهر الحالي، لرفع أسعار الكهرباء وبعض المشتقات النفطية، وبلغة حكومية مهذبة "تحرير جزئي" للأسعار، ليتسنى لنا الاقتراض من جديد.
نحن في دوامة لا نعرف نهاية لها؛ فقد تعرضنا للخديعة من الحكومات السابقة، وعلينا اليوم أن ندفع من جيوبنا ثمن سياسات مستهترة وعبثية بدون أن نملك حق محاسبة أي مسؤول على ما اقترفت يداه.
كثيرون قرعوا الأجراس في وقت مبكر، لكن أحدا لم يسمع. واستمرت النخب الحاكمة تمول بذخها وفسادها من أموال المنح والقروض، وتنفق على مشاريع خاسرة، وتتجاهل الحاجة إلى حلول استباقية لمواجهة أخطار انقطاع الغاز المصري، والعمل الجدي على تطوير مشاريع الطاقة البديلة.
كان العالم برمته يواجه أزمة سيولة خانقة، بينما نحن نواصل تمويل اقتصاد ريعي، ونستمر في سياسة الأعطيات والهبات وكأننا بلد نفطي. وبالنتيجة، تضاعفت أرقام المديونية في غضون سنوات قليلة.
حزمة الإجراءات الحكومية المتوقعة هذا الأسبوع لن توفر أكثر من 200 مليون دينار مع نهاية العام، لكن آثارها تطال قطاعات شعبية واسعة. فالصناعيون والتجار لن يدفعوا فرق أسعار الكهرباء من جيوبهم، بل من جيوب المواطنين، ولن تجد الحكومة وسيلة رقابة فعالة لاحتواء موجة ارتفاع الأسعار التي ستجتاح الأسواق.
لا يكمن الخطر في ردة الفعل الشعبية على قرارات رفع الأسعار، وربما لن تتجاوز الحدود المعهودة في الاحتجاج؛ الخطر الحقيقي الذي يواجه البلاد هو في استمرار نفس النهج الاقتصادي الذي أوصلنا إلى هذه الحال المزرية.
لا بوادر على أننا تعلمنا الدرس؛ فكل ما تفكر فيه الحكومة حاليا هو طلب المزيد من القروض، وانتظار المساعدات الخليجية. مراجعة السياسات ليست واردة على ما يبدو، فالأزمة خانقة إلى الحد الذي لم يترك لنا فرصة لالتقاط الأنفاس. وليس في الذهن أيضا نية لمحاسبة أحد ممن أخذونا إلى هذا الدرك.