بعد استراحة منتصف العرض: عندما تُفتح دور السينما مرة أخرى، لن تكون هي نفسها

بدون-عنوان-1
بدون-عنوان-1

تقرير خاص - (الإيكونوميست)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

سيكون إرث "كوفيد- 19" عددًا أقل من دور السينما، وعرض الأفلام الكبيرة فقط. وقد أصبح لدى أميركا مسبقاً 1.600 دار سينما أقل مما كان لديها في مطلع القرن. في ذلك الوقت، كان الأميركي العادي يذهب إلى السينما خمس مرات في السنة في المعدل؛ وفي العام الماضي أصبح معدل ارتيادها ثلاثة ونصف. ونظرًا لأن المزيد من المسارح تغلق أبوابها أو تقوم بخفض التكاليف وما يزال الفيروس باقياً، سوف تصبح الأريكة المنزلية أكثر إغراءً أيضاً.

  • * *
    الأضواء مطفأة في العديد من الأعمال التجارية في فلوريدا. ولكن، بعد أن يحل الظلام، تمكن رؤية وهج شاشة سينما "أوكالا" للسيارات، البالغ طولها 90 قدمًا (27.5 متراً تقريباً) من على بعد ربع ميل أسفل الطريق السريع. ومع تسييج نصف رقعة وقوف السيارات في قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها سبعة فدادين للسماح بالتباعد الاجتماعي، تتسع "أوكالا" الآن لـ240 مركبة -وتكون ممتلئة كل ليلة. ويقول جون واتزكي، المالك: "نحن الشيء الوحيد الذي يعمل في الوقت الحالي". وتجلس العائلات على المقاعد القابلة للطي أو تجثم تحت الأبواب الخلفية المفتوحة لرؤية عرض مزدوج لفيلميّ "رحلة ترولز العالمية" Trolls World Tour و"عودة إلى المستقبل" Back to the Future مقابل 6 دولارات لكل شخص بالغ (يدخل الأطفال دون سن الخامسة والحيوانات الأليفة مجانًا). وقرر واتزكي إبقاء مسرحه مفتوحاً بسبب تجربته مع إعصار كاترينا في العام 2005، عندما "كنا نقدّر أي شيء يجلب لنا بضع دقائق من نمط الحياة الطبيعية".
    بالنسبة لمعظم دور السينما الأميركية البالغ عددها 6.000، ما تزال الحياة بعيدة جداً عن المعتاد. وقد أغلقت جميعها مسارحها باستثناء عدد قليل منذ آذار (مارس). وعلى الرغم من أن بعض الولايات قد شرعت في تخفيف الإغلاق، إلا أن أشهراً ستمر قبل أن ترفع المسارح ستائرها. ويقول ربع الأميركيين إنهم لن يعودوا إلى السينما حتى الخريف على الأقل، ولذلك تحجم الاستوديوهات عن طرح أفلامها للعرض في هذه الدور. ولا توجد أي إصدارات من الأفلام المقررة للعرض لعطلة نهاية الأسبوع في 4 تموز (يوليو)، التي عادة ما تكون افتتاحية مرغوبة لموسم الأفلام. وقد تم تعيين موعد افتتاح العرض الأول التالي لفيلم من ذوات الميزانيات الكبيرة، "تينيت" Tenet، وهو فيلم حركة وإثارة من من إنتاج استديوهات "الإخوة وارنر" بعد تردد في 17 تموز (يوليو).
    قد تكون هذه الفترة أطول مما يمكن لبعض دور السينما أن تنتظر. وباعتبارها مدينة مسبقاً بعد سنوات من الاستثمار في التجديدات وجلب المقاعد المريحة ذات مساند الأقدام وما شابه، تواجه دور السينما أربعة أشهر من دون إيرادات، تليها عودة بطيئة إلى العمل كالمعتاد. وفي الشهر الماضي، كانت أكبر سلسلة دور عرض في العالم، AMC، والتي تضم حوالي 1.000 مسرح معظمها في أميركا، قد استدانت 500 مليون دولار كقرض طوارئ، والذي ينبغي أن تكون قد انتهت من سداده بحلول تشرين الثاني (نوفمبر). لكن هذا سيصل بإجمالي ديونها إلى ما يقرب من عشرة أضعاف إجمالي الربح التشغيلي، وفقًا لوكالة مودي للتصنيف. ويبدو احتمال إجراء عملية إعادة للهيكلة مرجحاً. وفي آذار (مارس)، قالت شركة عالم السينما Cineworld، وهي ثاني أكبر سلسلة من دور العرض، إنها معرضة لخطر الإفلاس إذا أُجبرت على الإغلاق لأكثر من ثلاثة أشهر. وقد انخفضت أسعار أسهم الشركتين منذ بداية العام.
    ثمة ما يكبح العرض
    أصبح لدى أميركا مسبقاً 1.600 دار سينما أقل مما كان لديها في مطلع القرن. في ذلك الوقت، كان الأميركي العادي يذهب إلى السينما خمس مرات في السنة؛ وفي العام الماضي كان معدل الذهاب ثلاثة ونصف. ونظرًا لأن المزيد من المسارح تغلق أبوابها أو تخفض التكاليف وما يزال الفيروس باقياً، سوف تصبح الأريكة المنزلية أكثر إغراءً أيضاً.
    لذلك تستكشف استوديوهات هوليوود البدائل. على الرغم من أنه غمر الشاشات في 10 نيسان (أبريل)، وسط أزمة الوباء، شوهد فيلم "جولة ترولز العالمية" بنطاق تجاوز بكثير سينما أوكالا، حيث قررت شركة استوديوهات "يونيفرسال بيكتشرز" بث فيلم الرسوم المتحركة هذا على الإنترنت في نفس اليوم. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه بتكلفة 20 دولارًا أميركيًا للتنزيل لمدة 48 ساعة، حصدت الشركة 95 مليون دولار في أميركا في الأسابيع الثلاثة الأولى. وهذا المبلغ أقل من الـ125 مليون دولار التي حققها فيلم "ترولز" السابق في شباك التذاكر في نفس الفترة. لكن استوديوهات "يونيفرسال" تستطيع الاحتفاظ بحوالي 80 في المائة من عائدات التنزيل بدلاً من إعطاء نصفها تقريباً لدور العرض. وقد أشادت الشركة بالتجربة باعتبارها نجاحًا، وقالت إنها ستقوم بالمزيد من الإصدارات المتزامنة في المستقبل.
    يشعر رؤساء دور العرض بالرعب بطبيعة الحال بسبب كسر نافذة الـ90 يومًا التي عادة ما يتم فيها عرض الأفلام حصريًا على الشاشة الكبيرة؛ وتقول شركة AMC إنها لن تعرض أي أفلام من إنتاج "يونيفرسال" بعد الآن، مضيفة أن هذا، مع ازدهار مسرحي معقول، "ليس تهديدًا أجوف أو غير مدروس". وتقول شركة "عالم السينما" إنها ستقاطع أيضًا الأفلام التي تكسر نافذة العرض. لكن "يونيفرسال" ليس الاستوديو الوحيد الذي يدخل عالم الإنترنت. فقد رتبت استوديوهات "وارنر" إصدارًا رقميًا فقط لفيلم "سكوب" Scoop، والذي كان من المقرر طرحه في دور العرض يوم 15 أيار (مايو). وباعت استوديوهات "بارماونت" فيلم "طيور الحب" The Lovebirds لـ"نيتفلكس". وحتى استوديوهات ديزني، التي تعمل في شباك التذاكر بشكل أفضل من أي استوديو آخر، قررت وضع فيلم "طير أرتميس" Artemis Fowl في خدمة البث "ديزني+" التابعة لها، متخطية دور السينما.
    جميع هذه القرارات كان وراءها وباء "كوفيد-19". لكن الاستوديوهات كانت تحت الضغط مسبقاً لتوفير محتوى لخدمات البث متعدد الوسائط التي أطلقتها شركاتها الأم. عندما تقوم "نيتفلكس" بالتكليف بصنع أفلام كبيرة وتنشرها عبر الإنترنت على الفور، لا يمكن لخدمة "ديزني" أن تقدم طبق حِمية من الأفلام القديمة التي عمرها أشهر. ولذلك، فإن الأعمال المميزة، مثل نسختها المجدّدة من فيلم "روبن هود" Robin Hood، والتي ربما كانت تقوم في الماضي بنزهة قصيرة في السينما، ستذهب مباشرة إلى خدمة البث التابعة للشركة، "ديزني+". وسوف يقبل حفل توزيع جوائز الأوسكار هذا العام الأفلام التي تُعرض في الوسائط المتعددة فقط، بينما تصر الأكاديمية على أنه حدث لمرة واحدة من صنع "كوفيد". لكن أفضل ترشيحات العام الماضي تضمنت فيلمين من "نيتفلكس" -فيلم "الإيرلندي" The Irishman، وفيلم "قصة زواج" Marriage Story -واللذين حظيا بحد أدنى من العرض في دور السينما.
    لم يحن الوقت بعد لشروع أسماء طواقم الأفلام في المرور على شاشات السينما مرة أخرى. فقد تم تأجيل عرض أكبر العناوين هذا العام، من "جيمس بوند "James Bond إلى "سيدة العجائب" Wonder Woman بدلاً من نشرها على الإنترنت. وأخرت استوديوهات "يونيفرسال" نفسها أحدث إصدار في سلسلة أفلامها "السرعة والغضب" Fast and Furious حتى نيسان (أبريل) المقبل. وبالنظر إلى أن الإصدارات السابقة من هذا الفيلم حصدت ما يصل إلى 1.2 مليار دولار في شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم، فإنه لا يمكن أن يفوّت دورة عرض في دور السينما.
    لكن الإصدارات السينمائية تصبح بشكل متزايد ذات معنى فقط عندما يتعلق الأمر بالأفلام الضخمة. وقد أدركت استوديوهات الإنتاج أن الرهان بشدة على عدد قليل من "أعمدة الخيمة"، (الأعمال الرئيسية باهظة الكلفة) تجلب مالاً أكثر من تعليق الحظوظ على الرهانات الصغيرة. وتكون تكاليف تسويق الأفلام الضخمة أقل نسبيًا من تكاليف الأفلام المتوسطة، ويسهّل دفع الأموال للنجوم المشهورين عالميًا بيع فيلم دوليًا. ومع انخفاض نسبة ارتياد دور السينما في أميركا، يجب أن تتألق العناوين ليكون الفيلم واحداً من القلائل التي يكلف الناس أنفسهم عناء الذهاب لمشاهدتها. وهكذا، فإن المكافآت الأكبر تأتي من الأعمال الأكثر تميزاً. وفي العام الماضي، حصلت الأفلام الخمسة الأعلى ربحًا على ربع عائدات شباك التذاكر المحلي؛ أي ما يقرب من ضعف حصة الخمسة الأوائل في العام 2000.
    يشتكي النقاد من أن التركيز على "الأفلام/ الأحداث"، (التي يشكل ظهورها حدثاً في حد ذاته) يجعل الاستوديوهات محافظة بشكل مضجر بشأن ما تعطيه الضوء الأخضر. كانت جميع الأفلام العشرة الأكثر نجاحًا في أميركا العام الماضي جزءًا من سلاسل، مثل "المنتقمون: لعبة النهاية" Avengers: Endgame، أو من الأفلام معادة الإنتاج، مثل "الملك الأسد" The Lion King. كان هذا هو واقع الحال بالنسبة لاثنين فقط من الأفلام العشرة الأوائل في العام 2000. وما تنتجه هوليوود، تشاهده بقية العالم: كانت الأفلام العشرة الأوائل عالميًا في العام الماضي كلها تقريبًا متماهية مع أميركا. وفي الحقيقة، لن تتوقف الاستوديوهات عن إنتاج أعمال منخفضة الميزانية؛ إنها تحتاج، بصرف النظر عن أي شيء آخر، إلى تجربة ممثلين جدد وأفكار جديدة (لم يكن واضحاً دائمًا أن الأعمال التي تتأسس على قصص الكتب المصورة ستكون مصنع مال). لكن الأفكار الوليدة ستذهب على نحو متزايد إلى العرض في وسائط خدمات البث.
    ليس كل هذا سوى استمرار لقيام التلفزيون على مدى قرن بسحب المحتوى بعيدًا عن السينما. كانت دور السينما في السابق موطنًا لجميع أنواع الفيديو. ومنذ خمسينيات القرن الماضي، اختطف التلفزيون الأخبار والرسوم المتحركة والمسلسلات، تاركًا دور السينما مع الأفلام الروائية فقط. والآن تقوم خدمات البث والإنترنت بامتصاص الكثير من هذه أيضًا، بحيث أصبحت المسارح مكانًا للزيارة فقط لدى عرض الأفلام الكبيرة. لكن ثمة شيئاً يُفقد: إن قضاء ليلة في المنزل مع "نيتفلكس" ليس نفس الشيء مثل قضاء ليلة في "أوكالا"، كما يلاحظ السيد واتزكي. قد يستمتع الناس بفيلم بنفس القدر على شاشة التلفزيون. ولكن "إذا شاهدوه في سينما السيارة، فإنه يصبح جزءاً من الذاكرة".

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: After the intermission: When cinemas reopen they will not be the same