بعد الاحتواء مرحلة بناء المستقبل

بعد أن نجحت الدولة الأردنية باحتواء أزمة جائحة كورونا باعتمادها على الذات من حيث قيادة وإدارة الأزمة والكوادر المهنية الصحية العالية المستوى في النظام الصحي، حيث وصل الإنجاز إلى درجة الأنموذج الذي باتت تسعى بعض الدول لتطبيقه فيها للوصول إلى نتائج إيجابية مماثلة في مواجهة الوباء والوصول إلى المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها الدولة الأردنية في معركتها مع جائحة كورونا.اضافة اعلان
وبعد كل هذه الإنجازات فإن المرحلة المستقبلية اللاحقة في إعادة بناء الاقتصاد والمؤسسات في الدولة ورسم خريطة للسيطرة على تطورات المستقبل لا تقل أهمية امام الدولة عن مرحلة مواجهة الوباء خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي تميزت برصانة سياسية وإدارة مسؤولة، ومؤسسة عسكرية وأمنية تطبق القانون على الجميع بانضباط كبير، جعل من الشعب الأردني يتوحد خلف الإجراءات الرسمية وقانون الدفاع وتحمل مسؤولية مشتركة حققت الهدف بالإنجاز والانتصار الكبير الذي تحقق.
محاور إعادة البناء يتصدرها السيطرة على الوضع الاقتصادي والمالي والانتكاسات التي أصابت كل قطاعات الدولة، والتداعيات المرتقبة والتي من المؤكد أنها ستخلق أوضاعا صعبة جدا على مستوى المواطن وعلى مستوى الدولة، وأن هذه التكلفة الأولية تقدر بـ2 مليار دينار، وهذا يتطلب من الحكومة خططا بديلة أو معدلة على سياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية السابقة، من خلال تأمين المساعدات والقروض من الدول والمؤسسات الدولية الصديقة والشقيقة لاستمرار استقرار الوضع الاقتصادي والنقدي في الدولة. وكذلك عن طريق الاندماج في المشاريع والجهود الدولية والإقليمية المشتركة لإعادة بناء الاقتصادات المحلية والدولية بعد الجائحة.
والمحور الثاني هو تعزيز وتمكين قوة وقدرة النظام الصحي الأردني لتمكينه من الاستمرار في مواجهة التحديات الصحية والأؤبة، والتي تشير التوقعات إلى احتمالات استمرار وباء كورونا والتعايش معه، ثم احتمالات تولد أوبئة مستعصية أخرى كما يتوقع بعض العلماء والأطباء.
أما المحور الآخر فهو النظام التعليمي بكافة مستوياته، وتطويره بشكل فعال وشامل بحيث يضمن استمرار العملية التعليمية في كل الظروف والأحوال والمستجدات المستقبلية.
ومحور آخر هو متابعة شؤون الأردنيين في الدول الأخرى والتنسيق المسؤول مع الدول على كافة المستويات للمحافظة على العمالة الأردنية لديهم وبما يتناسب مع السياسات الاقتصادية والمالية والعمالية الجديدة لتلك الدول الشقيقة والصديقة بعد كورونا وذلك لتحقيق هدفين الأول استمرار تدفق حوالات الأردنيين العاملين في الخارج والثاني عدم تفاقم البطالة بشكل قياسي جراء عودة متوقعة لفاقدي الوطائف من العمالة الاردنية في الخارج.
المحور الآخر ذو الأهمية البالغة، هو ترسيخ وتطوير السياسات الإعلامية القائمة على المصداقية والشفافية في علاقة التواصل والاتصال مع الأردنيين وكسب مزيد من ثقتهم بهذه السياسات والمؤسسات ودعمها وخاصة المؤسسات التي تضررت بشكل كبير ومباشر وأولها الصحف الورقية.
والمحور الأهم هو المحافظة على الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطن من خلال الإبقاء على استقراره الوظيفي والتزاماته المالية والأسرية وعدم تعريضه لحالة الانكسار واليأس والفشل من خلال سياسات تنفذية لا تقوم على التعامل مع واقع الحال بشمولية وعدالة مما سيمس بكرامته وحقوقه الأساسية، وهذا يتطلب من الحكومة تأمين المستلزمات المالية بأي وسيلة، خاصة وأن الأردن بات يستحق الحصول على المنح والمساعدات بعد تميزه بالانتصار على كورونا، كما أنه من الممكن للأردن أيضا الحصول على إعفاءات أو إلغاء بعض من مديونيته الخارجية والداخلية البالغة حاليا حوالي 40 مليار دولار، وهذه فرصة ذهبية لتخفيف كابوس المديونية.
أما أخيرا فإن إعادة البناء والسيطرة على المستقبل لا يمكن أن تتم إلا من خلال إنهاء الفساد وجذوره في المؤسسات العامة والخاصة، وانتهاج مبدأ الشفافية في العمل وسيادة القانون، وتحميل المسؤولية في المواقع القيادية الى كفاءات مختارة تكون قادرة على الإبداع في العمل لاخراج البلد من تعدد أزماته اللاحقة من تداعيات الجائحة، إن تلك هي جزء من خريطة إعادة بناء مستقبل للدولة الاردنية والمحافظة على مواطنيها وإنجازاتها.