بعد الاشتباك المحدود.. خيارات الحرب تتصاعد

على أهميتها ضمن استراتيجية الردع، فإن العملية النوعية المحدودة للمقاومة اللبنانية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، والتي بادلتها إسرائيل بقصف محدود على الأراضي اللبنانية لا يتوقع أن تكون قد أعادت تثبيت قواعد الاشتباك السابقة بين الطرفين، خاصة لجهة وقف استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت بالطائرات المفخخة المسيرة.اضافة اعلان
ورغم الهدوء الحذر السائد حاليا بالمنطقة الحدودية اللبنانية الفلسطينية، فإن الأبواب ما تزال مفتوحة على سيناريوهات تصعيدية عديدة، يمكن أن تنزلق في لحظة ما إلى مستوى شن عدوان إسرائيلي جديد على لبنان، رغم أن كل المؤشرات والتصريحات الحالية تفيد بعدم رغبة الطرفين بالوصول لهذه المرحلة، إلا أن حسابات العدو الإسرائيلي الاستراتيجية في الصراع مع المقاومة اللبنانية والمحور الإيراني والسوري الداعم لها تبدو اليوم مرشحة لمختلف الخيارات بما فيها الإنزلاق لمرحلة العدوان الواسع على لبنان.
بالمنظور الاستراتيجي يجد العدو الإسرائيلي نفسه اليوم أمام تغيرات وتطورات مهمة تفرض عليه التفكير بخيارات تصعيدية قد تجر المنطقة إلى حرب جديدة، وعدم الاكتفاء باستراتيجية الاستنزاف المثابرة لقدرات الجيش السوري وقوات حزب الله في سورية والحضور الإيراني فيها، والتي اعتمدها على مدى سنوات الحرب في سورية، وتصاعدت في السنتين الاخيرتين. وأيضا يفرض هذا التغيير الاستراتيجي لدى إسرائيل عدم رضاها عن مستوى التصعيد الأميركي ضد إيران وعدم ذهاب ترامب للخيار العسكري معها.
الأوضاع في سورية تتجه اليوم إلى ما يصب بصالح الدولة السورية، واستعادتها إن آجلا أو عاجلا لوحدتها وتبدد خيار التقسيم واستمرار الفوضى، وهو خيار سعت إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيقه واستمراره وأسهمت الأولى فيه عبر سياسة الاستنزاف بالقصف واستهداف قدرات الجيش السوري وحزب الله في سورية مرارا وتكرارا.
لكنها سياسة لم تتمكن في ظل الدعم الروسي والإيراني غير المحدود للدولة السورية وثبات الأخيرة من تحقيق أهداف إسرائيل، حيث تتجه الأمور بسورية أكثر الى الحسم لصالح الدولة وحلفائها، فيما يتحدث جنرالات وخبراء العدو عن خروج حزب الله أكثر قوة من تجربته بسورية وامتلاكه لترسانة من الصواريخ الموجهة بدقة، والتي باتت تشكل التهديد الاستراتيجي الأكبر لأمن كيان الاحتلال، وربما قبل الخطر النووي الإيراني المستقبلي، بل وبالارتباط معه! كما يقدرون.
أعتقد أن تزايد احتمالات اللجوء إلى الحرب والعدوان من قبل الاحتلال الإسرائيلي على لبنان ومقاومته، رغم مغامرته وكلفته الكبيرة المتوقعة على الكيان، بات مسألة وقت، وليس شرطا أن يسبق الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، وهو خيار تقوى حظوظه في ظل الاتجاه أكثر للحسم لصالح الدولة السورية بصراعها الداخلي بامتداداته الإقليمية، وأيضا باتجاه الوضع الداخلي العراقي أكثر نحو الاستقرار بعد القضاء على دولة "داعش"، ويعززه كذلك ابتعاد خيار الصدام العسكري الأميركي مع إيران وبما لا يخدم الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه إيران.
لا يمكن أخذ العملية المحدودة الأخيرة بين المقاومة اللبنانية والعدو الإسرائيلي كمؤشر على عودة إسرائيل إلى قواعد الاشتباك السابقة المعتمدة منذ عدوان 2006، فالمعادلات في الإقليم أمام الكيان الإسرائيلي تتغير لغير صالح حساباته وأطماعه في سورية والعراق ولبنان وقطاع غزة، وأيضا لجهة الصراع الأميركي الإيراني، وهو ما يفسر إقدام هذا الكيان على فتح جبهة العراق واستهداف أهداف للحشد الشعبي داخل العمق العراقي في الأسابيع الماضية، بل وتذهب تحليلات إسرائيلية إلى توقع فتح جبهة جديدة باستهداف القدرات الصاروخية الموجهة لقوات جماعة الحوثيين المصنفة على حلفاء إيران في اليمن.
وجود إدارة ترامب المنحازة حد التماهي مع إسرائيل تشجع هذا العدو إلى اللجوء إلى خيار الصدام العسكري مع المقاومة اللبنانية والذهاب لحرب عدوانية جديدة على لبنان، وهي حرب ستكون أعباؤها كبيرة على لبنان وكيان الاحتلال والمنطقة كلها!